التغيير.. ومصير التغيير/ عبدالمنعم الاعسم

لدينا الآن صورة مقربة عن نتائج انتخابات نيسان الماضي: القوى المتنفذة التي امسكت بمعادلات السياسة والامن والاقدار طوال العقد الاخير من عمر «العراق الجديد»عائدة الى موقعها، مع تغييرات طفيفة في المناصب والوجوه والسياق الخطابي، مقابل تحسن طفيف في امكانيات ظهور تمثيل للفئات اللاطائفية والمهمشة ودعاة مشروع التغيير النوعي في ادارة شؤون البلاد. وقد لا نكون مفرطين في التفاؤل إذا ما رصدنا ملامح اولية لتحالف (أو تقارب او تنسيق) بين نواب من كتل متفرقة يشكل قوة ضغط واعتراض برلمانية، ليصبح موئلا لحركة الشارع المتطلع الى التغيير.
المشكلة الاولى تتمثل في ان شعار التغيير نفسه انتهى الى سلعة اعلامية رخيصة بعد ان تداوله جميع المتنافسين، وتخفّى تحت لافتاته عتاة الفاسدين وحُماتهم، وجرى اختزاله الى تعريفات وفروض ومطالب مشوبة بالغموض والمخاتلة، والى سيناريوهات توحي بحلول للازمة السياسية والخروج منها ومعالجة آثارها لكنها في جوهرها تفاقم هذه الازمة، لسبب بسيط هو ان اصحاب الازمة وابطالها هم انفسهم يتجهون الى القبض على ادارة القرار وليس ثمة ما يشير، لا في برامجهم وتصوراتهم ولا في أسمائهم المرشحة للولاية المقبلة، الى ان البلاد ستدخل عهد التغيير الجدي.
والمشكلة الثانية هي ان التغيير الحقيقي لا قيمة له إن لم يتضمن خطوات جدية ومنهجية نحو تحويل الدولة من دولة المحاصصات الفئوية والطائفية الى دولة المواطنة. من دولة المنصب المستعار من الولاء والانتماء السياسي الى دولة المنصب القائم على السجل المشهود له بالكفاءة والعفة والوطنية. من دولة المكونات التي يجب ان تحكم الى دولة المكونات التي يجب ان تتعايش في ظل المساواة واحترام الخصائص. ومن الطبيعي ان لا يقبل(ولا يؤمن) بهذا التغيير اولئك المهووسون بالسلطة والتزاحم على المقامات، والذين يعكفون على الوثوب الى ادارة الحكم من معبر الصفقات، ويعرضون، منذ الآن، ملاكات الدولة ومشيئاتها في سوق العرض والطلب السياسي نظير الولاء والترخيص والتحالف.
على ان التغيير، كخيار تتطلع له الملايين العراقية، ووجد تعبيره في نداءات وتجمعات واحتجاجات في كل مكان سيببقى يحتفظ بزخمه الى حين، وقد يتحول الى حركة فاعلة وناشطة ومهيبة في البرلمان وخارجه. ويمكن، بالمقابل، ان نتهجأ محاولات تضليل المتطلعين لهذا الخيار بتقديم وصفات مغشوشة لفكرة التغيير، ومن بينها قول البعض بان التغيير قد تحقق فعلا بهذا التنافس الانتخابي المفتوح بين السياسيين وتحالفاتهم، وقول البعض الثاني بان التغيير يحتاج الى سنوات طويلة فلم العجلة؟ فيما البعض الثالث لا يزال يحلم بالتغيير عن طريق الانقلاب العسكري والبيان رقم واحد، ما يتعارض مع دوران عقارب الساعة.

********
ينشر بالتزامن مع جريدة(الاتحاد)