التغيير السياسي في العراق.. وهم أم حقيقة؟ / رشا اسماعيل العزاوي

الواقع أن التغيير ليس بالأمر السهل، بل هو من أصعب الأمور. و التغيير مهما كان، سواء ثقافيا أو اجتماعيا أو سياسيا، فهو في ذاته ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون وشؤون الحياة المختلفة، وقديما قال الفيلسوف اليوناني"هيرقلطيس" "إن التغير قانون الوجود، والاستقرار موت وعدم"، كما عبر عن التغيير في قوله الشهير "إنك لا تنزل البحر مرتين لان مياهاً جديدة تجري من حولك ابدا".
والنظام السياسي في الدول النامية، يؤدي دورا اساسيا في عملية التغيير الاجتماعي والثقافي، ولا يقتصر دوره على رسم السياسات أو التدخل في الجوانب الاقتصادية لتنظيمها وضبط مسارها، أو الاشراف على الخدمات الاساسية من صحة وتعليم وتأمين .. الخ، بل ان دوره يمتد لتطوير البناء السياسي ذاته، فعملية التنمية الاجتماعية ليست عملية ذات جوانب اجتماعية واقتصادية وثقافية فحسب، بل هي عملية تنمية سياسية ايضا، ولذلك فان البعض يرى أن عملية التنمية السياسية هي البوتقة التي تجمع كل التغيرات الأخرى ، لان احد اهدافها هو تحقيق المشاركة السياسية الواسعة النطاق، ومن ثم الاستقرار السياسي القائم على الشرعية.
ورغم ذلك فان النظام السياسي قد يؤدي دورا سلبيا في إحداث التغيير ويرتبط ذلك بظرفين:
- أن يكون النظام السياسي تابعا لنظام آخر ينفذ سياساته دون مراعاة للمصالح الداخلية للمواطنين، أي أن هذا النظام يكون نظاما عميلا متواطئا ضد شعبه، ولقد سقطت بعض النظم السياسية في العالم الثالث لهذا السبب.
أن يكون النظام السياسي نظاما عدوانيا يمارس التهديد العسكري للدول الأخرى (كما هو الحال في النظام النازي والفاشي)، أو يبدد ثروات الشعب في حروب لا طائل من ورائها.
و العراق من اكثر الدول العربية، التي شهدت تغييرات وأحداث سياسية عنيفة منذ نشوء الدولة العراقية في العشرينات من القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر، وقد كانت لهذه التغييرات والاحداث بقدر ارتباطها باعتبارات المصالح والسياسات والتحالفات الدولية والاقليمية من جهة وتضارب أو تلاقي أفكار وأهداف الأطراف والقوى السياسية العراقية المختلفة من جهة أخرى في كيفية إدارة شؤون الدولة، أثارا شملت مجمل نواحي الحياة في العراق ومن بينها النواحي السياسية التي يمكن أن تعبر عنها بدلالة الفاعلية السياسية والاستقرار السياسي.
فإن ما مر به العراق من تغييرات واضحة على المسرح السياسي منذ سقوط نظام صدام حسين والاحتلال الأمريكي عام 2003، أدت بصورة مباشرة إلى التأثير على المجتمع بكل مكوناته بسبب ما يحمله المشهد العراقي من تجاذبات سياسية تحمل في طياتها عدداً من الايدلوجيات التي تكاد لا تتمازج وتتفاعل، لاجل أن تترجم على ارض الواقع العراقي، لكي يكون هناك نوع من التفاعل الاجتماعي يعود نفعه على جميع طبقات المجتمع العراقي.
تشهد الساحة العراقية بعد مرور احد عشر عاما على التغير السياسي إشكاليات متعددة وكبيرة، اثرت على الواقع الثقافي والاجتماعي العراقي، منها إشكاليات داخلية تتمثل في استثمار ثغرات الانفتاح السياسي وتوظيفها لصالح اتجاهات وتيارات اصولية وطائفية وسط تراكمات اجتماعية ما تزال تحتاج إلى مزيد من النضج والوعي، وإشكاليات خارجية تتمثل بتدخلات دول الوسط الاقليمي للعراق تجعل من الساحة العراقية عرضة للاحداث والتقلبات الخطرة.
ولكي يحدث التغيير بشكل ايجابي، لابد من توفر عناصر ذاتية وموضوعية مهمة، تسبق كل العملية، وإن لم تتوفر تلك العناصر فلا يحدث تغيير أبداً. إن من أهم عوامل التغيير وأولها الظروف الذاتية للبلد ,هي إرادة التغيير, أي الاستعداد النفسي لمجموعة من الأفراد, من كل اطياف المجتمع, لتتحول من النقطة ألف إلى النقطة باء. ثانياً، لابد من توفر أدوات التغيير, فلا تغيير بلا أدوات. ثالثاً، أمتلاك مشروع بديل ليحل بدل الواقع الذي يراد له أن يتغير. رابعاً, توفر الظروف الموضوعية التي تسمح بحركة التغيير, كالظروف الدولية أو ضعف الجهاز الأمني في بلد ما كان يعيق عملية التغيير, أو الهجرة او النمو الاقتصادي..
أن اغلب القوى التي تتواجد في البلد والمهيمنة على العملية السياسية ليس من مصلحتها نجاح عملية التغيير لان مصالحها مرتبطة ببقاء الاحوال على ما هي عليه. لذلك تحتاج عملية التغيير لاختيار بديل من الكوادر الشبابية التى لها رؤية مستقبلية يمكن أن تضع حلولا لبناء البلد، وفق أطر وأسس جديدة، تؤسس لدولة تحترم الإنسان وحقوقه، وتنتشل هذا الشعب من الازمات التى يمر بها البلد، ولابد من تجاوز كل سلبيات النظم السياسية التى حكمت هذا الشعب الطيب، لأن أزمتنا فى المقام الأول كان سببها الحكومات التى توالت على البلد ولم تستطع ان توفر احتياجات الشعب العراقي .