نحو إعادة الاستثمارات العراقية الهاربة / إبراهيم المشهداني

تشكل الاستثمارات بمختلف جنسياتها ركيزة أساسية من ركائز النمو الاقتصادي في إي بلد من البلدان ليس بجانبه الاقتصادي فحسب، بل بجانبه الاجتماعي حيث تسهم إلى جانب أمور عديدة ، في امتصاص البطالة في ذلك البلد . ولا شك إن العراق، بوضعه الراهن ، بأمس الحاجة إلى تشجيع الاستثمارات الوطنية بالإضافة إلى الأجنبية وهذا يتطلب كأولوية واجبة تهيئة المناخات اللازمة لجذب هذه الاستثمارات وخاصة الاستثمارات العراقية الهاربة للمساهمة في رفع الناتج المحلي الإجمالي وكذلك، وهذا مهم، الحاجة إلى امتصاص البطالة العالية في العراق وخاصة بين الشباب الذي يشكلون اليوم طاقة مهدورة باستثناء القلة القليلة المحظوظة ببورصة التعيينات الحكومية .
إن ما يجعلنا نركز على جذب الاستثمارات العراقية من الدول الخارجية؛ العربية والأجنبية هو ليس فقط الفوائد الاقتصادية، وإنما أيضا لفشل المشاريع الحكومية بالرغم من التخصيصات المالية الكبيرة ، و ضعف الأداء الحكومي في الوزارات وضبابية الرؤى في هذا القطاع والفساد المالي وكل هذه الأسباب تعطل النشاط الاستثماري في قطاعات الإنتاج الرئيسية، في الزراعة والصناعة والاهم من كل ذلك هو الإجراءات الحكومية والروتين القاتل الذي يعطل عملية الاستثمار وكذلك المصائد التي ينصبها الإداريون للمستثمرين الأجانب أو العراقيين الراغبين في توظيف أموالهم في ارض الآباء والأجداد مما يؤدي إلى سد الأبواب امامهم ليعودوا خائبين إلى دول تقدم لهم كل أنواع الدعم والمساعدة .
وتشكل البيانات المتوفرة عن الاستثمارات العراقية في بعض البلدان العربية ابلغ دليل على مدى اهتمام تلك البلدان بالمستثمرين العراقيين. ففي الأردن على سبيل المثال تلعب مؤسسة تشجيع الاستثمار دورا كبيرا في اجتذاب رؤوس الأموال العراقية من خلال تقديم التسهيلات القانونية واللوجستية واختصار الإجراءات الإدارية فليس غريبا والحالة هذه ان يتصدر المستثمرون العراقيون حجم الاستثمارات الأجنبية وخاصة في القطاع العقاري التي حققت في العام الماضي وحده نسبة نمو 12 في المائة أما القطاع الصناعي والتجاري فقد حقق نموا بنسبة 17 في المئة ما أسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد الأردني ،وفي جمهورية مصر العربية بلغت قيمة الاستثمارات العراقية (400) مليون دولار وتنشط 3288 شركة عراقية في مجال الاستثمار في الاقتصاد المصري قابلة للزيادة .
لا شك أن هروب رؤوس الأموال العراقية إلى الخارج ما كان لها ان تصل إلى هذه الأرقام لو كانت الرؤية الاقتصادية للمسؤولين العراقيين واضحة ومرتبطة بإستراتيجية تنموية متكاملة ومحصنة من المآرب الذاتية، ولو كانت هناك تشريعات مشجعة للمستثمرين سواء من خلال الإعفاءات الضريبية لمدد طويلة كما هو الحال في مصر والأردن التي تصل إلى عشر سنوات وايضاً لو كان الوضع الأمني مستقرا بما فيه الكفاية ليمنح رأس المال الشجاعة ناهيك عن الأزمات السياسية المتفاقمة على مدى السنوات الماضية الأمر الذي يجعل المستثمرين العراقيين يترددون في نقل استثماراتهم إلى العراق وكذلك الشكوك التي تحبط المستثمر الأجنبي من المجازفة في نقل رؤوس أمواله إلى بلد تعصف به التناحرات والانفلات الأمني وعدم استقرار التشريعات الاقتصادية والكلف العالية التي يتحملها المستثمر الباحث عن الارباح المغرية .
فهل تستطيع الحكومة القادمة التي ستلد بعملية قيصرية أن تتجاوز كل هذه المصاعب برؤية واضحة وإرادة حقيقية لتقلب صفحة الماضي وتدشن بداية التغيير الحقيقي وهذا ما نشك فيه.