البرت إينشتاين والانتخابات العراقية / وديع شامخ

البرت إينشتاين عالم الفيزياء الشهير وصاحب النظرية النسبية، كان أستاذا في إحدى الجامعات الأمريكية، وفي فترة الإمتحانات كان يرافقه مساعد شاب.. وقد لاحظ هذا المساعد أن أستاذه يعطي طلبة الصف الثالث الأسئلة ذاتها الذي كان أعطاها لزملائهم في الدورة السابقة.. أي أن إنشتاين يعطي أسئلة واحدة لكل المراحل التي يُدرّسها. فظن المساعد الشاب أن أستاذه قد نسي الأمر أو ربما طاف الخيال به لاعتقاده بخرف الأستاذ، فسأله بعد تردد:
سيد إنشتاين انك توزع نفس أسئلة العام الماضي؟، فأجاب الأستاذ وهو يربت على كتف مساعده الشاب "يا ولدي الأجوبة هي التي تتغير!
....
الانتخابات نتاج عقل بشري وهي ممارسة وثقافة قبل أن تكون قوانين ولوائح وهذا يعني أنها ملح الكائن، خياره وصوته حين كان وسيكون لتغيير الأجوبة وخلق توازنات جديدة، ولكنها تظل دورية ومكررة، كل دورة انتخابية طال عمرها أو قصر تطرح السؤال ذاته، وتحتاج إلى أجوبة متغيرة، فهل نطبق نظرية إنشتاين على هذه الدورة لنر أن الأجوبة تغيرت أم تكرر الدرس والسؤال والجواب؟
....
المتصفح لنتائج الانتخابات سيلاحظ فرقا جوهريا تحقق في هذه الدورة، هو تصدع القوى أو الكتل الكبرى أولا، ظهور تحالفات وطنية ديمقراطية جديدة، ظهور حاجة ملحة واقعية لتجاوز الدورة السابقة برلمانا وحكومة، بروز وعي الناخب العراقي النسبي أزاء واقع الحال وما حصول النائب مثال الآلوسي على نسبة أصوات تتجاوز بآلاف عن نائب رسمي ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة وهو حسين الشهرستاني إلا مؤشر مهم لبوادر ريح تغيير حقيقية مع صعود شروق العبايجي، وحصول جاسم الحلفي على ثمانية عشر ألف صوت دون وصوله إلى البرلمان!
وهذا يعني أن لا وجود لبيضة قبان واحدة كما جرى تداول هذه الفريضة مع تيار سابق بل ان مجاميع وحظوظ قادمة لتلعب هذا الدور
...
المؤسف له أن معظم عراقيي الخارج لم يمارسوا دورهم الوطني المفترض بعزوفهم عن الانتخابات واستسلامهم لنظرية المؤامرة والأمر الواقع المسبق. وهذه ثقاقة إشاعة روج لها الحرس القديم ووقع في فخها "عراقيون" من الداخل والخارج بواسطة قنوطهم وعدم ذهابهم للتصويت.
...
الواقع الحالي ليس ورديا ولا أسود, والمفاتيح القديمة لم تعد صالحة لفتح كل الأبواب، الأجوبة تغيرت عن نفس السؤال، ويبقى القادم هو وجود الإنسان الفاعل، العقل النقدي الحامل لمشروع التغيير العملي بعد ما أشاع الجميع فرضية التغيير نظريا..
والأشد أهمية في الموضوع برمته، إن تجربة العراق الديمقراطية "الخديجة" لم تزل تئن تحت وطأة أطياف الموشور الخارجي إقليميا ودوليا..
....
الأجوبة هي الرهان وتغييرها دليل فاعلية وحساسية الكائن وصدقه أمام نفسه أولا..
أربع سنوات قادمات سيكون للسياسي العراقي الحظ الأوفر في تأثيث ملامحها، وهذا رهان آخر وفرصة له في "تغيير" ملامحها السابقة ليس على مستوى المكياج والإكسسورات والديكورات فقط.. لابد من تغيير مفهوم البطل المنتصر والإحتكام الى فرضية الناخب المنتصر والمتضرر معا.
أربع سنوات ليست طويلة في عمر العراقيين المليء بالخسارات. ولكنهم على موعد قادم سيكون خطوة حاسمة في التأسيس النوعي وعدم الرجوع الى تكرار البدايات دائما.
...
خصوصية التجربة العراقية أنها ليست بإنتظار "سيسي جديد" أو "زعيم بطل منتظر" بل بتحريك عجلة التاريخ وفقا لقانون الأرض العراقية المليئة بالمواد الدافعة للخير ليس وعيا "سلحفاتيا" ينط في فم صناديق الإنتخابات وَيسبت في الحياة. صوت ُمشترى فقط !
الصوت العراقي مليء بالدم والبلغم والإحتقان، سيكون هو الصوت المدوي ورهان الزمن القادم إذا ما أحسن تثقيفه على ممارسة حقه الوطني.
...
واذا ما ختمنا بمعلومة علمية شائعة تؤكد أن درجة انجماد الماء هي الصفر المئوي بينما درجة الغليان هي 100 مئوية، ولكن عندما نضيف كمية من الملح الى الماء فهو لا يتجمد بذات الدرجة .. فنحن هنا خلقنا قانونا جديدا ولم نلغ قانون الانجماد.
إن السعي الى تغيير قانون الانتخابات المعتمد حاليا والذي تسبب في اهدار حقوق بعض المرشحين والكتل.
هو ما يجعلنا فاعلين من داخل القانون والعملية السياسية لا لكي نزكيها بل لنخلق توازنات جديدة تصلح لبناء دولة مدنية ديمقراطية حقيقية.