السعادة بين الغرور والعمى! / يوسف أبو الفوز

في كل مرة، يؤكد عليّ صديقي الصدوق، أبو سكينة، أن لا أنسى حزمة الصحف خلال زياراتي الدورية لبيته. ورغم جلبها معي مثل كل مرة، إلا أني رميتها جانبا، عله ينساها ، فالاخبار الحزينة تحيطنا من كل صوب. أخبار الموت تتوارد من كل مكان. العنف يطغي على كل الاخبار. ماذا اقرأ له؟عن تقارير الموت في بغداد وسامراء والانبار والموصل والمدن العراقية الاخرى؟ عن نشاطات الارهابيين واختراقاتهم التي لا تتوقف؟عن أخبار النزوح المتواصل؟ أو عن ما تنقله الوكالات من أن اكثر من اربعة الاف عراقي قتلوا في أعمال عنف يومية منذ بداية هذا العام، وفقا لحصيلة أعدتها وكالة «فرانس برس» استنادا إلى مصادر رسمية؟ بينما تتواصل السجالات الحامية بين الكتل السياسية في ماراثون تشكيل الحكومة القادمة ؟!
كان أبو سكينة مشغولا يلاعب حفيده، أبن سكينة، وظننته نسيّ موضوع الصحف، حين صاح بي أبو جليل: يبين ما عندك مزاج اليوم تقرأ لنا الجرايد؟ أبتسم جليل لأني سبق وأخبرته عن ما يدور بخاطري، فقال لأبيه: سيقرأ لكم، لكن سيكون ذنبكم .
التفت أبو سكينة لنا، وهو يواصل ملاعبة حفيده: أعرف ليش يخاف يقرأ الجرايد. وأطلق ضحكة، وواصل كلامه: بويه أحوالنا تعبانة، فأقرأ لنا مقالات على الخفيف، يعني اللي ما بيها موت ودم وأنفجارات. وكنت مضطرا لأفتح الصحف فواجهني مقال عن دراسة نشرها معهد «غالوب» لقياس الرأي العام، أفادت بأن العراق جاء ضمن البلدان الأتعس في العالم. حيث أعتمد الباحثون على استفتاء مواطنين في 138 بلدا في عام 2013، وسألوهم عن حالتهم النفسية وحالات الغضب، الحزن، القلق أو الالم الجسدي، وأوضحت الدراسة أن أعلى مؤشر للمشاعر السلبية وجدوه في العراق، ارتباطا بالمشاكل الامنية والسياسية والاقتصادية، ومنها البطالة والفقر وتواصل النزوح والهجرة، مما يجعل حياة المواطن في عدم استقرار وخطر دائم.
واصل أبو سكينة ضحكته، مد رقبته وقال: شنو تعتقدون راح نصير بلد سعيد بقرار وزاري؟ سالفة السعادة تحتاج شغل، حتى يمشي البلد على الطريق الصحيح، ونبني السلام ودولة القانون والمؤسسات بلا محاصصة وفساد!
تنحنح أبو جليل: بس هذا المسؤول اللي طلع بالتلفزيون قبل شويه قال ... !
قاطعه أبو سكينه:يا صاحبي، هذا المسؤول مثل الذي شاف روحه بالمرايه وقال لزوجته .. أشوف روحي مثل القمر، فلا تحسبي هذا غرورا! زوجته من ضيمها، هزت يدها وقالت له : هذا مو غرور، هذا عمى!