تعديل قانون الانتخابات.. استحقاق دستوري على مجلس النواب / زهير ضياء الدين

يقترب موعد انتخابات مجلس النواب لدورته الجديدة، التي من المقرر أجراؤها مطلع العام القادم إلا أن أمام مجلس النواب استحقاقا دستوريا لم ينفذه حتى الآن والمتمثل بقرار المحكمة الاتحادية العليا في الدعوى 12/اتحادية/2010، والصادر بتأريخ 14/6/2010 القاضي بعدم دستورية الفقرة (رابعاً) من المادة (3) من القانون رقم 26 لسنة 2009 (قانون تعديل قانون الانتخابات رقم 16 لسنة 2005) .
وكان نص الفقرة رابعاً من المادة (3) المشار إليها آنفاً ينص على (تمنح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة التي حصلت على عدد من المقاعد بحسب ما حصلت عليه من أصوات)، وأدى تطبيق هذا النص عند تطبيقه في انتخابات مجلس النواب لسنة 2010 إلى تهميش ملايين من أصوات الناخبين واستبعاد العشرات من الكيانات السياسية الصغيرة لكونها لم تصل إلى القاسم الانتخابي، وذلك من خلال تجيير تلك الأصوات لصالح الكيانات الكبيرة الفائزة التي لم يصوتوا لها أصلاً، ما شكل انتهاكاً صارخاً للنصوص الدستورية الواردة في دستور جمهورية العراق؛ وأبرزها نص المادة (20) التي نصت على منح المواطنين رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخابات والترشيح. كذلك نص المادة (38/أولاً) من الدستور التي كفلت حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل ونص قرار المحكمة الاتحادية على تحويل صوت الناخب بدون إرادته من المرشح الذي أنتخبه الى مرشح قائمة أخرى لم تتجه إرادته الى انتخاب مرشح منها يشكل اعتداءً على حقه في التصويت والانتخاب، وتجاوزاً على حرية التعبير عن الرأي وبالتالي يشكل مخالفة لنص المادة (20) والمادة (38 / أولاً) من الدستور .
وبالتالي فإن تعديل قانون انتخابات مجلس النواب أصبح استحقاقاً ملزماً لمجلس النواب، وعلى اللجنة القانونية في المجلس البدء بإجراءات التعديل لاقتراب الاستحقاق الانتخابي القادم. وإن إلزامه تعديل القانون يستند إلى العديد من النصوص الدستورية بدءاً بنص المادة (2/ أولاً / ج) التي تنص على (لا يجوز سن قانون يتعارض ونص المادة 13 / ثانياً من الدستور التي تنص على لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ....)، مع الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور ونص المادة (94) من الدستور التي تنص على (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة).
إلا أنه ومن المستغرب أن تتصاعد أصوات من مجلس النواب وخارجه لمسؤولين يدعون الى الإبقاء على قانون انتخابات مجلس النواب بنصوصه الحالية؛ مبررين ذلك بأن اعتماد نظام (سانت ليغو) في انتخابات مجالس المحافظات كان سلبياً وأدى إلى تفتيت مجالس المحافظات. إنهم بهذا الطرح يريدون تبرير عملية القرصنة التي جرت خلال انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات في دورتيهما السابقتين لمن يمثلونهم إلا أن هذه الأصوات استلبت لصالح الكتل الكبيرة بسبب اعتماد القاسم الانتخابي كشرط للتمثيل في مجلس النواب ومجالس المحافظات، ما أدى الى تجيير هذه الأصوات لصالح مرشحين وقوائم لم يصوتوا لها أصلاً وبذلك تم تغييب العديد من القوائم الانتخابية التي كانت سيؤدي تواجدها في المجالس إلى التنوع في الرأي وتبني قضايا المواطنين من الشرائح المسحوقة، التي يمثلونها ، ولو عدنا الى الوراء وراجعنا مواقف هؤلاء النواب والمسؤولين لوجدنا وبوضوح صراخهم للتمسك بالدستور في القضايا التي هي من مصالحهم؛ وهذه الانتقائية في المواقف تشكل واحدة من ابرز مسببات حالة التردي والارتباك في العملية السياسية في العراق بشكل عام، علماً أن اعتماد نظام (سانت ليغو) في انتخابات مجالس المحافظات حقق العدالة لجميع الأطراف حيث أنه وبموجب هذا النظام حصلت قوائم انتخابية في المحافظات الاثنتي عشرة على (23) مقعداً، وتشكل نسبة (6%) فقط من عدد المقاعد البالغ (378) مقعدا. ومن مؤشرات تحقيق إرادة الناخبين بإيصال أصواتهم لمن ينتخبون، أن نسبة الأصوات التي حصلت عليها القوائم الانتخابية التي لم تصل إلى مجالس المحافظات تشكل (5%) فقط من الأصوات الصحيحة، مقابل (31,1%) في انتخابات مجالس المحافظات السابقة؛ وهذا يؤكد سلامة وعدالة نظام (سانت ليغو) في إيصال أصوات الناخبين لمرشحيهم. ومن الجدير بالذكر أن هنالك استحقاقاً آخر على البرلمان في تعديل قانون انتخابات مجالس المحافظات، استناداً إلى قرار المحكمة الاتحادية العليا الصادر في الدعوى 7 / اتحادية / 2010 بتأريخ 3/3/2010، والذي قضى بعدم دستورية الفقرة (ج) من (البند ثالثاً) من المادة الأولى من القانون رقم (26 لسنة 2009) (قانون تعديل قانون الانتخابات رقم 16 لسنة 2005) لتعارضه مع المادة (14) و (20) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وإشعار السلطة التشريعية بتشريع نص جديد موافقاً للمواد آنفاً من الدستور باعتبار المقاعد المخصصة من الكوتا للمكون الصابئي المندائي ضمن دائرة انتخابية واحدة، علماً أن القانون في الدورة الانتخابية السابقة اعتمد الكوتا المخصصة للمسيحيين في محافظات (بغداد ونينوى ودهوك واربيل) كدائرة انتخابية واحدة. في حين منح المكون الصابئي مقعداً واحداً لمحافظة بغداد يكون التصويت عليه للناخبين ضمن محافظة بغداد فقط. كما أن المحكمة الاتحادية العليا أصدرت قرارها في الدعوى المرقمة 11/ اتحادية / 2010 في 14/6/2010 بعدم دستورية الفقرة (ب) من المادة (1/ ثالثاً) من القانون رقم 26 لسنة 2009 (قانون تعديل قانون الانتخابات رقم 16 لسنة 2005) ومنح المكون الإيزيدي عدداً من المقاعد النيابية يتناسب وعدد نفوسه في انتخابات مجلس النواب لدورته القادمة عام 2014، وحسب الإحصاء السكاني الذي سيجري في العراق أستناداً الى أحكام المادة (49 / أولاً) من الدستور. في حين خصص للمكون الإيزيدي مقعد واحد فقط بموجب قانون الانتخابات الحالي في انتخابات مجلس النواب لعام 2010. ولو سأل سائل ماذا لو لم يعدل مجلس النواب قانون الانتخابات بالرغم من صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا وجرت الانتخابات بموجب أحكام القانون الحالي؟ ... الجواب : سيتم إلغاء تلك الانتخابات من خلال المحكمة الاتحادية العليا. وفي الختام نأمل أن يكون تعديل قانون انتخابات مجلس النواب جذرياً بما في ذلك اعتماد العراق كمنطقة انتخابية واحدة بدلاً من المحافظات؛ كون مجالس المحافظات تمثل كل محافظة، ومجلس النواب يمثل جميع العراقيين، إضافة الى اعتماد النظام النسبي مع ضرورة إنجاز تشريع قانون الأحزاب وإجراء التعداد السكاني العام لتكون الظروف مهنية بالكامل لإجراء انتخابات حقيقية تعكس إرادة جميع العراقيين.