ارتفاع الاسعار وإثره على الفقراء / ابراهيم المشهداني

شهدت الاسواق العراقية ارتفاعا كبيرا في الاسعار وخاصة اسعار المواد الغذائية ، ولا زالت الصحافة العراقية تتحدث عن هذا الموضوع بمختلف اشكال الفن الصحفي ، فضلا عن برامج الفضائيات التي اعطت هذا الموضوع اهتماما كبيرا لما له من اثر على كافة الطبقات والشرائح الاجتماعية.
ان مستوى الاسعار ، كما يعرف الاقتصاديون ، يتحدد من خلال تقاطع منحنيي العرض والطلب ، وان ارتفاع هذا المستوى او انخفاضه يأتي من خلال العوامل المؤثرة في هذين المنحنيين . وارتفاع مستوى الاسعار تجلى بشكل صارخ بعد العاشر من حزيران الماضي ، بعد احتلال داعش والقوى المتحالفة معه لمحافظتي الموصل (نينوى )وصلاح الدين اضافة الى محافظة الانبار مما ادى الى اختلال امني كبير وجد انعكاسه اقتصاديا على شحة المعروض من السلع الاساسية ، بالإضافة الى هجرة مليونية للمواطنين من هذه المدن وغيرها بصورة لم يسبق لها مثيل في السنوات العشر الاخيرة ، وهذا هو السبب الاول ، اما السبب الثاني فهو حلول شهر رمضان و توجه الناس الى التبضع لتوفير متطلبات هذا الشهر الفضيل ، وهذا يحدث في كل عام ، ولكنه عامل مؤقت ينتهي بانتهاء هذا الشهر ، اما السبب الثالث فيتمثل بفشل الوزارات المعنية وفي المقدمة منها وزارة التجارة ، بإعارة المخزون السلعي ما يكفي من الاهتمام ، مما يؤدي الى تصفير هذا المخزون في اول ازمة تتعرض لها البلاد ، و ابرز تجليات هذا الفشل يتجلى في البطاقة التموينية التي أريدَ بها في البداية مواجهة الحصار الظالم الذي تعرض له الشعب العراقي في تسعينات القرن الماضي ، بعد فرض سلسلة من العقوبات اتخذها مجلس الامن الدولي بعد احتلال الكويت ، ولكن العمل بالبطاقة استمر مع استمرار تداعيات الحصار وتعرض المواطنين الى ازمة معيشية نالت الملايين منهم . لقد كان للفساد المالي الذي يعشش في مرافق هذه الوزارة كغيرها من وزارات الدولة دوره في فشل البطاقة التموينية ، حيث لم يستلم المواطنون منذ اشهر حصتهم من البطاقة التي اريد بها اقتصاديا سد العجز من المعروض السلعي ، الذي يأتي في غالب الاحيان نتيجة لتلاعب التجار.
ان بعض التحليلات الصحفية تعزو ارتفاع الاسعار الى ضعف الرقابة الحكومية على الاسواق ، ومتابعة التجار المتلاعبين بالأسعار من خلال اخفاء البضائع التي يزداد الطلب عليها وخصوصا المواد الغذائية ، ولكن السؤال هنا ، كيف تستطيع الاجهزة الرقابية سواء في وزارة التجارة او وزارة الداخلية ان تحكم قبضتها على سوق منفلتة من حيث نوع المواد المستوردة ومطابقتها للشروط الصحية وغياب نظام سعري كما يجري في كل دول العالم يحدد لكل مادة في السوق، دون وجود معيار تستطيع هذه الاجهزة بطرقها الخاصة من الكشف عن التجار المتلاعبين وإحالتهم الى القضاء وفق القوانين المرعية ؟.
ان ارتفاع الاسعار يؤدي الى زيادة الفقر ، وفي نفس الوقت تعظيم ارباح الاغنياء ، وهذا التفاوت يؤدي الى ازمة اجتماعية عميقة قد تعجز الدولة عن معالجة ابعادها الاجتماعية والسياسية ، مما يرتب على الحكومة مسؤولية وضع منظومة من الاجراءات وتطبيق القوانين التي تحمي المواطنين من مغبة ارتفاع الاسعار كقانون حماية المستهلك وقانون المنافسة وقانون حماية المنتج الوطني ، والضرب بشدة على المتلاعبين بالأسعار ، ومساءلة وزارة التجارة عن اسباب الاخفاق في توفير مواد البطاقة التموينية , ومحاسبة الفاسدين الذين يقفون وراء هذا الفشل .