هاتوا برهانكم ! / محمد عبد الرحمن

لا خلاف على اهمية وضرورة مبدأ المواطنة، وعلى خطر انهيار دولة المواطنة لمصلحة قيام دولة الطوائف والمكونات. كما ان القناعة راسخة ، وهناك ما يسندها من تجاربنا وتجارب الغير، بان لا دولة للمواطنة الحقة سوى الدولة المدنية الديمقراطية الحقة .
دولة المواطنة لا توفر فقط امكانية حقيقية للاستقرار والامان ، بل هي ايضا - وهذا هو الاساسي - تستجيب الى المعايير الدولية في ما يخص حقوق الانسان بجوانبها المختلفة والمتعددة، بما في ذلك ما ورد في العهدين الدوليين: السياسي، والاقتصادي والاجتماعي ، بخصوص تمتع الجميع بالفرص المتكافئة من دون تمييز بسبب القومية او الدين او الطائفة او المذهب او الموقع الاجتماعي اوالديني او حيازة الثروة او اللون او الجنس ، وبما يتيح ان يكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات ، وفي تبوؤ المناصب والنهوض بالمسؤوليات على وفق الكفاءة والاهلية والنزاهة .
ومن خلال ما ذكرناه يمكن ان تتوفر مقدمات وممهدات السير على طريق العدالة الاجتماعية والانصاف في توزيع الدخل وتوفير الحد الادنى المقبول لادامة انسانية الانسان وآدميته وضمان حياة كريمة له.
فدولة المواطنة يراد بها هذا كله، كما يراد بها توفر الحريات العامة والشخصية، وحرية الضمير والمعتقد والاختيار الفكري والسياسي ، بدون ضغوطات او املاءات او معرقلات تفقد تلك المفاهيم محتواها وتسلبها ماهيتها وتحيلها الى عناوين لا معنى لها، وتكون عندئذ كتعويذة يرددها البعض عندما يضيق بهم الحال.
دولة المواطنة هي هذا كله وربما اكثر ، ولكنها ليست ضرورية لمجرد تحقيق الامن والاستقرار على اهميتهما. فهي ليست وسيلة وآلية يتم التعكز عليها ، وفي حالة تصويرها بهذه الصورة فذلك تشويه متعمد لها ، وتحميلها ما ترفضه .
ولكن هل نحن في العراق الجديد نسير حقا نحو بناء دولة المواطنة ، وهل ان ممارسات بعض القوى والكتل تدعم هذا التوجه لجهة الخلاص من الاستقطاب الطائفي ؟
ذاكرتنا مع مواطني هذا البلد الصابر ما زالت حية ، وما زالت طرية تلك الكلمات والاطروحات المخيفة وحالات التهييج الطائفي التي رافقت انتخابات مجالس المحافظات. وما زلنا شهودا على التدافع لاقتسام المغانم والسلطة والنفوذ ، والتشبث الغريب بالمحاصصة الطائفية والاثنية المقيتة ، صانعة ومولدة الازمات سابقا وحاضرا ومستقبلا .
ترى هل الحديث عن دولة المواطنة اليوم يعكس صحوة؟ لا بأس في ذلك ، لكنه يحتاج الى مصاديق له في الواقع، وممارسات فعلية تبدد الشكوك وتعززالآمال !