الثقافة العربية الكردية.. تواصل أخضر / فوزي الأتروشي

التواصل والتلاقح عنوانان حضاريان كبيران والثقافة هي المفردة الكبيرة وبؤرة الضوء الأكثر إشعاعا في هذين العنوانين، فالحضارة دون تمازج ثقافي_ فكري_ حواري بعيدا عن تشنجات وذرائع.
ولذلك جاء الملتقى الثقافي العربي_ الكردي في مدينة النجف الاشرف في الفترة 4-7/5/2013 ليضع لبنة قوية في جدار التلاقي الثقافي بين قوميتين وثقافتين لا بد لهما لكي يتعايشا ويتناغما إن يتفاهما ويتعارفا وان يمسحا هامش الغربة بينهما، هذه الغربة التي اختلقتها الأنظمة السابقة في العراق التي راهنت على تحويل العراق باتجاه ثقافة واحدة وبلون واحد هو لون الحزب الحاكم والدكتاتور الحاكم وذلك على مدى (35) عاما.
بعد 9/4/2013 كان لا بد أن تحدث انعطافة في طريق شراكة العرب والكرد والمكونات الأخرى في العراق الجديد، وهذه الانعطافة عنوانها التعايش، وليس الغالب والتصالح وليس التناحر والافتراق. أما الاختلاف فكما قلنا في كلمتنا أمام الملتقى فانه دليل صحة وعافية وليس دليل التشظي في الرؤى ولا دليل الابتعاد إلى حدود التلاقي.
إن الكرد في العراق بأمسّ الحاجة لهكذا ملتقيات لإلقاء الضوء على كل المتغيرات في اقليم كردستان العراق وللبحث في أجواء من الحرية في آليات ترجمة الإبداع الكردي إلى العربية وبالعكس، وأيضا، وهذا مهم جدا، للتعريف بكل ألوان التعبير الفني والادبي والفكري الكوردي وبكل عمق التراث في جو ديمقراطي ليس فيه ممنوعات ولا قمع ولا حجب كما كان الوضع في الزمن الدكتاتوري.
إن النجف بما لها من رمزية عالية وعراقة دينية وتاريخية تستطيع أن تلعب دورا هاما في الثقافة بين الأديان والطوائف والثقافات العراقية، وهذا ما حدث بالفعل في الفترة 4-7/5 على صعيد التلاقي العربي الكردي الثقافي. فقد حضر حشد كبير من المثقفين العرب والكرد وشخصيات هامة مثل الملا بختيار مسؤول المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني الذي قدم، إضافة إلى كلمته الثقافية، محاضرة حول تاريخ وآفاق النضال التحرري في العراق وشرح التطور السياسي والاجتماعي والعمراني في الإقليم. كذلك السيد بحر العلوم ورئيس جامعة الكوفة وشخصي?ت ثقافية من الجانبين، شكلت جسرا متينا أخضر للتلاقي. لقد بحث الملتقى في الشعر والفكر والسينما والمسرح الكردي وطرحت فيه شهادات لشخصيات عربية متضامنة مع القضايا الكردية ومؤمن بتعايش الهويات، ومنها شخصيات شاركت في النضال التحرري الكردي ميدانيا مثل زهير الجزائري الذي تحدث عن حكاياته ويومياته في الجبل.
إن ابرز محور نجح في عرضه الملتقى هو الإجابة عن سؤال حول كيفية الخروج من مأزق تناحر الهويات إلى المساحة الخضراء لتعايش وتلاقح وتواصل الهويات العراقية، باعتبار التنوع هو الثراء وإغناء المجتمع العراقي والطريق الوحيد لبناء مجتمع عراقي ديمقراطي برلماني تعددي فيدرالي. وفي كلمتنا باسم وزارة الثقافة دعونا أن يكون هذا التلاقح قصة حب طويلة بيننا كعراقيين وان لا يكون اختلافنا الا مؤقتاً وفي انتظار مواعيد جديدة لنلتقي.
إن الملتقى العربي الكردي الثقافي في النجف كان شعلة حب وضّاءة، تأتي بعد دورتين للملتقى في بغداد والبصرة.