لم تنفع التعويذات التركية .. ودخلت البيشمركة كوباني البيمشركة وكوباني .. يغيران التاريخ/ انس محمود الشيخ مظهر

بعد قيام الثورات العربية نشأت لدى حلفاء امريكا الاقليميين ولأول مرة اجندات يمكن تسميتها بأجندات محلية تختلف وتتقاطع في الكثير من الاحيان مع الاجندات الدولية التي ارادت توجيه هذه الثورات باتجاهات تخدم مصالحها ، فكان لزاما على الادارة الامريكية اعادة تنظيم الاوضاع السياسية في المنطقة بما يتلاءم مع رؤاها وتوجهاتها . فقد تمكنت تركيا مثلا من تدجين الاطراف الفاعلة في الثورة السورية وتوجيهها حسب المصالح السياسية للحكومة التركية ، وأصبحت مساحة المناورة التركية في التعامل مع امريكا والغرب في هذا الملف مساحة واسعة تمثلت في رفضها المشاركة في الحملة الدولية الحالية على الارهاب ضد داعش ورفض استخدام قاعدة انجرليك لرفد الجهد العسكري ضد هذا التنظيم . ليس هذا فحسب بل لم تعد تركيا تأبه كثيرا للتقارير التي تفيد بتورطها مع التنظيمات الارهابية في المنطقة . هذه التوجهات التركية باتت تشكل عائقا امام الادارة الامريكية في حسم معركتها ضد ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية ( داعش) .
اعتمادا على ما سبق .. فقد لا تمتلك مدينة كوباني الكوردية في سوريا اهمية ستراتيجية للمجتمع الدولي كما صرح بذلك مرارا بعض الساسة الامريكان ، لكن خصوصيتها الجيوسياسية تجعل منها المكان الذي تجتمع فيه مجمل تناقضات المنطقة وتتمركز فيه الاجندات الاقليمية ، ما اعطاها بعدا دوليا لترتيب اوراق المنطقة حسب نتائج المعارك الدائرة فيها .
ان سيطرة مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردي ( النسخة السورية لحزب العمال الكوردستاني التركي ) على هذه المدينة ، وتأثير تركيا على اطراف الثورة السورية ، ثم التخوف التركي من تكرار سيناريو اقليم كوردستان العراق في سوريا ، وأخيرا تعارض اجندات تركيا مع الاجندات الامريكية وتوجهات المجتمع الدولي فيما يتعلق بالأزمة السورية ، واختلاف الرؤى التركية عن الرؤى الامريكية فيها ... كل هذه الاسباب ، وأسباب كثيرة اخرى جعلت من اقليم كوردستان العراق مرشحا للقيام بدور مهم في هذا الملف ، باعتباره خارج اطر هذه التناقضات ويمتلك علاقات جيدة مع الفرقاء السياسيين فيه ، فبدأت حكومة الاقليم بممارسة دبلوماسية ناعمة سحبت البساط من تحت تركيا دون اثارة اي زوبعة سياسية معها .
كان التحالف الدولي ضد داعش يعاني من عدم وجود طرف قوي على الارض يمكن استثمار الضربات الجوية للتحالف من قبله وإنزال خسائر حقيقية بهذا التنظيم ، فرغم ورود اخبار على انعقاد اجتماع بين ممثلين من الادارة الامريكية وممثلين من وحدات حماية الشعب الكوردية السورية ، فان امريكا لم ترغب بإثارة مشاكل اكثر مع تركيا التي اغضبها هذا الاجتماع ، فبدا الجهد الدولي بتشكيل غرفة عمليات لعبت فيها وزارة البيشمركة دور حلقة الوصل بين المسلحين الكورد في كوباني ووزارة الدفاع الامريكية لتحديد وجهة الضربات وتقييمها . إلا ان هذا التنسيق كان لا بد له ان يكلل بتنسيق اشمل على الارض وفي ساحة القتال ، الامر الذي جعلت من قوات البيشمركة مرشحة للقيام بهذا الدور . بالطبع لم يكن امام تركيا إلا القبول على مضض بهذا المقترح نظرا للعلاقات الجيدة بينها وبين حكومة اقليم كوردستان . وبعد اتخاذ امريكا لهذا القرار لم يبق امام تركيا سوى تحريك ورقة الجيش الحر والإصرار على ادخال اكثر من الف عنصر من عناصره الى داخل مدينة كوباني ، لعدم خروج الوضع هناك من تحت السيطرة التركية .
هنا لا ارى بان الرفض الكوردي السوري لدخول عناصر من الجيش الحر الى كوباني هو توجه صحيح ، فرغم نفي تركيا وحكومة اقليم كوردستان من ان يكون تأخير دخول البيشمركة كان بمماطلة تركية ، إلا ان التسريبات اشارت الى وجود ارادة تركية تقصدت عرقلة هذه الخطوة وتأخيرها ، اضافة الى تكثيف داعش لهجماتها على كوباني في سباق مع الزمن لاحتلال المدينة قبل دخول قوات البيشمركة وفرض واقع حال جديد فيها .
والان وبعد ذهاب قوات البيشمركة الى كوباني فان هذه الخطوة حتى وان كانت بسبب قبول الاحزاب الكوردية السورية بدخول اعداد محدودة ( وليس العدد الذي ذكرته المصادر التركية ) فانها ستخرج المبادرة من يد تركيا ويضعها امام مسئولياتها الدولية ، ويقلل من المخاوف التركية حيال الملف الكوردي السوري بوجود عناصر البيشمركة ، وبالتالي يقلص من حجم التنسيق بينها وبين تنظيم داعش حسب ما تشير اليه المصادر .
ان دخول البيشمركة الى كوباني وبدء عملية تنسيق عسكري من خلالها بين قوات حماية الشعب الكوردية السورية والقوات الامريكية يعتبر مكسبا سياسيا وعسكريا لكورد سوريا ، يفتح امامهم افاقا جديدة لايصال الرؤية الكوردية السورية لدول الغرب وامريكا ، عكس ما حصل سابقا مع حزب العمال الكوردستاني في تركيا والتي وضعت على لائحة المنظمات الارهابية امريكيا لسدهم كل قنوات الاتصال مع امريكا ومعاداته اعتمادا على النظريات السياسية التي كان الحزب يتبناها حينها . كذلك فان لهذه الخطوة اهميتها على الصعيد الكوردي الداخلي ، فهي تضرب عرض الحائط التقسيم السابق للمنطقة والتي قسمت على ضوئها المناطق الكوردية الى اربع اجزاء بجرة قلم . كذلك فان للخطوة هذه اهميتها بالنسبة الى تركيا فيما لو ارادت استثمارها واستغلال المتغيرات الحالية للتقارب مع الطرف الكوردي السوري عبر حكومة اقليم كوردستان واستيعاب الامر كواقع حال لإبعاد شبح الحروب والتدمير بين شعوب المنطقة .