المنبرالحر

آهْ.. يا بَلدْ / مازن العاني

يوجعني العراق ويؤرقني حاله، ويتفاقم الوجع المزمن مع انتشار العطن والروائح التي تزكم الانوف لداء الفساد والسرقات المفضوحة لعدد من كبار مسؤوليه وموظفيه وصغارهم. وما يزيد الوجع حرقة ان الداء معروف، ومعروفة اسبابه، والملايين من ابناء البلد تؤشر عليه وتصرخ من اجل معالجته، لكن العلاج غائب، لان " سبيل ممتلكي البلد غير سبيله"، على حد قولة الرصافي، والحكيم الذي يفترض ان العلاج بيده عليل بذات الداء وبعلل اخرى ليست اقل مرارة وشدة.
لقد تمادى البعض في عبثه واستفزازه لمشاعر المواطنين وقيمهم الاجتماعية والدينية والروحية الى الدرجة التي باتت فيها أعداد الذين يترحمون على "الدفان"، الذي كان يسرق اكفان الموتى، في ازدياد متواصل، بعد الذي عرفوه عن خازوق ابنه وعبثه بجثث الموتى.
خذوا عينة عشوائية من الداء المتقيح في الدولة والمجتمع وتفحصوها بالعين المجردة، سترون العجب العجاب وستذعرون لحجم الخراب. خرابٌ عَششَ في النفوس و العقول وافسد القيم والسلوك، بقدر تفشيه في الدوائر والمؤسسات.
لا اظن ان هناك معاناة اليوم اكبر من معاناة النازحين وحرقة اشد منها، هؤلاء الذين بلغت اعدادهم 1,787,969 منكوبا جراء العمليات الارهابية لعصابات داعش.
تعالوا نتفحص الامر ونعود الى الاسابيع الاربعة الاخيرة حيث تعالت التحذيرات من الفساد الذي فاحت روائحه من عاملين وفي لجنة ايواء النازحين، الى الدرجة التي اجبرت مجلس النواب على تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق. في الاسبوع الماضي، وبعد التحقيق في الاتهامات التي اثيرت، أوصت اللجنة البرلمانية بحل لجنة إيواء النازحين واحالة ملفاتها الى النزاهة لورود ملفات فساد في صفقة تجهيز الخيم والمعونات الغذائية.
الى جانب ذلك اشارت اللجنة النيابة المؤقتة في تقريرها النهائي الى مؤشرات صارخة عن حجم الاستهتار و التلاعب بالاموال المخصصة لهؤلاء الضحايا. لنتمعن في بعض العينات والامثلة :
عينة اولى: مبالغ كبيرة صرفتها اللجنة العليا لإغاثة و أيواء العوائل النازحة على ايفادات موظفيها وصلت الى معدلات قياسية :
صرف مبلغ (75) مليون دينار الى موظف ، ومبلغ (90) مليون دينار الى ثلاثة موظفين، ومبلغ ثالث (50) مليون دينار الى 3 موظفين آخرين ، وكلها مدونة بموجب سندات صرف وتحمل تواريخ صرفها. واذا عرفنا ان القانون يحدد 150 الف دينار عن كل يوم ايفاد للموظف، سنعرف حجم السرقة في هذه العينات العشوائية، وحين نرى ان ما يتقاضاه الموظف الموفد لاغاثة اللاجئين في اليوم الواحد يقترب من حجم المبلغ الشهري المخصص لكل عائلة نازحة ندرك اثم هذه الخطيئة.
عينة ثانية: مصروفات مبالغ بها :
شراء سيارة لأعمال لجنة الإغاثة بمبلغ (98,366000) دينار.
صرف مبلغ (6,000,000) دينار عن نقل بطانيات الى النجف وكربلاء.
عينة ثالثة: جرى تسليم مبالغ كبيرة الى شخص واحد خلافا للسياقات الادارية المتبعة بتسليم تلك السلف الى لجنة مؤلفة من ثلاثة اشخاص على الأقل :
تسليم مبلغ 2 مليار دينار الى قضاء هيت بذمة شخص واحد.
تسليم مبلغ 2 مليار دينار الى قضاء حديثة بذمة شخص واحد.
آه يا عراق متى تدرك انك و شعبك اكبر واكبر من نزوات اشباه رجال تجردوا اية قيمة انسانية، في اصرارهم على تحويل الوباء المزمن الذي اصابك الى مرض عضال لا يرجى منه شفاء كي يملأوا بطونهم بالسحت الحرام؟
نحن المكتوين بنار الفساد، سنلاحق اللصوص والمتسترين عليهم ونفضحهم، ولن يهدأ لنا بال قبل ان نقتص منهم.