الدوافع وراء ضرب اليابان بالسلاح الذري في الحرب العالمية الثانية/ د.ماجد احمد الزاملي

الحروب تنزل اثارا سيئة على المدى البعيد على نفسية واخلاقيات المواطنين جميعا حتى بما فيهم الاطفال والنساء والمسنون .والجميع يتأثر تأثيرا كبيرا حتى بعد انتهاء الحرب.في الحرب العالمية الثانية كان لإنفجار القنبلتين الذريتين على هيروشيما ونغاساكي في 6/8/1945 و9/8/1945 أكبر الخسائر البشرية والمادية ولاتزال اثارها باقية ،حيث الاشعة الذرية تنفذ الى الخلايا الحية وتهدمها .في 2 اب عام 1939تلّقى الرئيس الامريكي روزفلت رسالة من أينشتاين حول تطور ابحاث الطاقة الهائلة التي تنطلق نتيجة تفتت نواة الذرة وتنبأ بظهور القنبلة الذرية وذكر اينشتاين في رسالته للرئيس الامريكي ان القنبلة الذرية هي سلاح الجحيم الذي يتولد من ارتباط التكنولوجيا المتطورة بالحرب(أينشتاين صاحب النظرية النسبية ).والمعادلة المشهورة ط= ½ ك س2 ،حيث ط تمثل الطاقة و ك تمثل الكتلة وس سرعة الضوء.
وظهر في بدايات القرن العشرين علم جديد والمعروف ب(ميكانيكا الكم)،وكان لعلم ميكانيكا الكم دور كبير في اكتشاف تركيب الذرة ، ووصف العلماء التركيب الداخلي للذرة ،وان نواة الذرة تتكون من البروتونات(موجبة الشحنة )والنيوترونات (لاتحمل شحنة ) والالكترونات(سالبة الشحنة) . واذا افترضنا محاولة لإدخال الكترون اخر او بروتون الى الذرة لسبب ما، ففي هذه الحالة تفقد الذرة توازنها وتحاول اطلاق الكترونات ، او بروتانات من الذرة نفسها لإحداث عملية التوازن وتطلق الاشعة النووية. وفي ظل هذه الاكتشافات العلمية كان العالم يتجه نحو الحرب العالمية الثانية ،وكان ما يهدد علماء الفيزياء النووية اعتقال اليهود بواسطة النازي والاكتشافات الجديدة التي تم التوصل اليها في المانيا تحت الحكم النازي. وكان اينشتاين قد وصم بلقبي يهودي وشيوعي مما اضطره الى ترك المانيا في اكتوبر 1933 متجها الى الولايات المتحدة الامريكية نتيجة اضطهاده من قبل اعضاء الحزب النازي والمؤيدين له.وفي خلال الفترة بين عامي 1940 و1941 قام العلماء الامريكيون بمحاولة اجراء تجارب لتفاعل متسلسل كمي من النيوترونات المنطلقة من انشطار نووي يؤدي الى احداث انشطار فيما يجاور نوى الذرات من ذرات اخرى . وكان المعروف ان النيوترون المنطلق من اليورانيوم يؤدي الى الانشطار النووي وكان اليورانيوم 235 هو الذي يعطي هذا الانفجار الهائل فكان لابد من استخراجه من خامات اليورانيوم المتكونة في اغلبها الاعم من اليورانيوم 283 .
في ايلول 1942 تولى ريسري غروبس (مهندس هو الذي صمم مبنى البنتاغون)منصب القائد العام لمشروع انتاج القنبلة الذرية بامر من روزفلت الرئيس الامريكي واصبح عميدا ومسؤل اول عن مشروع انتاج القنبلة الذرية الذي سمي مشروع مانهاتن ،وكان مشروع مانهاتن مشروعا ضخما حيث ان عدد العاملين فيه حتى عام 1946 بلغ 540 ألفا ،اي ان عدد العاملين في المشروع يتجاوز حوالي مرة ونصف عدد افراد القوات المسلحة الامريكية الذين قادهم ايزنهاور في عملية الانزال في نورماندي .في الولايات المتحدة التي يقال انها مثال للحرية والديمقراطية كانت الامور تسير كما لو انها في معسكرات النازية، من اجل الحفاظ على اسرار مشروع مانهاتن ،حيث كان الاف العاملين لايعرفون ماذا يعملون و لحماية الاسرار. (FBI)كانوا مراقبين دائما من قبل جهاز الاستخبارات بالتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي
في 19/8/1943 بريطانيا والولايات المتحدة اتفقتا بخصوص القنبلة الذرية وعرف هذا الاتفاق باسم اتفاق كوبيك وتقرر في هذا الاتفاق ان الدولتين لن تستخدما الاسلحة الذرية ضد بعضهما البعض ، وفي حالة استخدامها ضد دولة غير الدولتين يجب ان تستشير احداهما الاخرى ، واذا لم توافق احداهما يمكن للاخرى استخدام حق الفيتو ،وفعلا التزمت الولايات المتحدة بهذا الاتفاق وتم ابلاغ بريطانيا بإسقاط القنبلة الذرية على اليابان وفي 4 تموز وافقت بريطانيا. وقد اصرّ تشرشل على امتلاك بريطانيا السلاح النووي وكان مبرره هو الوقوف بوجه الاتحاد السوفيتي مستقبلا . وهذا امر مؤكد اذ ان تشرشل كان يعتبر ان الاتحاد السوفيتي عدوا على الرغم من انه احد الحلفاء ، لكنه كان يستقرأ احوال العالم بعد الحرب. كذلك كانت الولايات المتحدة تريد حجب اسرار القنبلة الذرية عن الاتحاد السوفيتي منذ بداية عمل مشروع مانهاتن .واتفق البلدان(بريطانيا والولايات المتحدة) على استمرار التعاون بينهما على تطوير السلاح النووي .وهذا تؤكده الوثائق السرية التي اعلنتها وزارة الخارجية الامريكية عام 1972.
في شباط 1945 اجتمع كل من ستالين وتشرشل وروزفلت في يالتا ، وكان الاجتماع حول اوروبا بعد الحرب ضد المانيا التي كانت قد اوشكلت على الانتهاء وكذلك قضية المحيط الهاديء .ان كلا من تشرشل وروزفلت لم يحدثا ستالين عن القنبلة الذرية قط. لكنهم عقدوا اتفاقا هاما بخصوص اليابان، مؤداه ان الاتحاد السوفيتي يشترك في الهجوم على اليابان خلال فترة ثلاثة اشهر من انتهاء الحرب في اوروبا، وذلك مقابل الموافقة على حق إسترداد الاراضي التي سلبتها اليابان منه منذ الحرب اليابانية الروسية، وفي 8 مايس استسلمت المانيا بلا قيد ولاشرط وانتهت الحرب في اوروبا. وبعد وفاة روزفلت المفاجئة تولى نائبه ترومان الرئاسة في الولايات المتحدة الامريكية واصبح ستيمون وزيرا للحربية ،وبدأ التفكير بنهاية الحرب باقل خسائر من الولايات المتحدة، واقصى استفادة ممكنة للولايات المتحدة بعد الحرب. علما ان خسائر الامريكيين البشرية في الحرب العالمية الثانية هو مئة ألف فقط والاتحاد السوفيتي 27 مليون انسان.
كانت القوات الامريكية من القوات البرية والقوات البحرية والقوات الجوية تقاتل باحترافية، وقال الجنرال الامريكي رمى كاتشيس المسؤول عن القوة الجوية الامريكية في ربيع 1945 إنه اذا استمرت غاراته الجوية على المدن اليابانية دون تفريق فانه بحلول شهر اكتوبر لن يبقى هناك شيء قابل للاحتراق وسوف تستسلم اليابان .اذن لماذا ضربت الولايات المتحدة اليابان بالقنبلة الذرية؟
ومنذ انتهاء الحرب في اوروبا بردت العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من جهة والاتحاد السوفيتي من جهة اخرى .وكان هناك رأيان الاول باتجاه التعاون بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة لئلا يقع العالم في دوامة الحرب مرة اخرى، والرأي الثاني باتجاه انه لابد للولايات المتحدة ان تقاوم الاتحاد السوفيتي مقاومة شديدة . وكان الامريكان يناقشون بجدية مسألة ان تكون اليابان مركز الثقل للقوات الامريكية ضد الاتحاد السوفيتي في اسيا بعد الحرب. وتقدم مشروع إسقاط القنبلة الذرية على اليابان بالإضافة الى الحرص على عمليات الانزال في اليابان واشراك الاتحاد السوفيتي في الحرب ، مع استمرار الولايات المتحدة بحجب اسرار القنبلة الذرية عن الاتحاد السوفيتي . لم تكن هناك وسيلة افضل امام الولايات المتحدة من إسقاط القنبلة للضغط على الاتحاد السوفيتي ولإستسلام اليابان بأقل خسائر ممكنة للجيش الامريكي ،ولجعل اليابان تقف في الجانب الامريكي بعد انتهاء الحرب.
بعد ضرب اليابان بالقنبلتين الذريتين من قبل الولايات المتحدة الامريكية كانت صدمة بالنسبة لجوزيف ستالين من هول الاسلحة الذرية ، حيث ان ضرب اليابان بالسلاح الذري كان استعراض القوة الامريكية التي تحتكر امتلاك السلاح الذري، وان إحساس الرهبة وردود الفعل التي انتشرت في جميع دول العالم كان اشد تأثيرا من الفوائد العسكرية التي حصلت لانقاذ الامريكيين .إلا ان ستالين قد اخذ معلومات القنبلة كلها تقريبا بواسطة شبكات المخابرات الروسية. وفي 12 أذار عام 1947 أوضح الرئيس الامريكي ترومان مبدأه في مجلس الشيوخ الامريكي :إن دور بلدنا هو التصدي لإنتشار الشيوعية في العالم ، فللولايات المتحدة الحق في التدخل في سياسة الدول التي تنتشر فيها الشيوعية. ان هذا الاتجاه المعروف باسم(مبدأ ترومان)، هو عقد العزم على ان تقوم الولايات المتحدة بدورها في التصدي للشيوعية والاتحاد السوفيتي كأنها شرطي العالم.