على خطى الأحمدين عفلق والبكر/ مازن العاني

بعد اجتياح عصابات الدولة الاسلامية (داعش) البربري لمدينة الموصل في حزيران الماضي، نقلت وسائل الاعلام تقارير مفادها أنّ عدداً من المحسوبين على حزب البعث المنحل استفسر من عزت الدوري عن إطرائه تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، في أول كلمة له بعد ذلك الاجتياح، وأنّ الدوري أجابهم أنه كان يروم من فعلته الشائنة تلك تخفيف حدة التوتر، في محاولة لإنقاذ حياة زمرة من قيادات البعث المدنية والعسكرية !
في الاسبوع الماضي تكرر المشهد القبيح مجددا حين تناقلت مصادر مقربة من البعث المحظور اخبارا مفادها ان خلافا جديدا نشب داخل القيادة التي يتزعمها الدوري ارتباطا برغبته في الخضوع والانحناء امام عاصفة داعش، واعلان بيعة البعث لتنظيم الدولة الاسلامية بذريعة انقاذ حياة بعثيين هددت داعش بقتلهم في حال رفض حزبهم اعلان بيعته لها.
واذا صدقنا ابو احمد الدوري في ما ذهب اليه كونه يكرر استخذاءه و انبطاحه امام داعش رغبةً في انقاذ رفاقه، وليس عن قناعة فكرية مريضة ومتأصلة كون البعث-الدوري يرى في داعش وجرائمها البشعة مواصلة مرغوبة لمسيرة الاجرام التي دأب عليها البعث - العفلقي منذ ان فتّح العراقيون عيونهم عليه. اقول اذا صدقنا الدوري فلن نستغرب انبطاحه، فهو لم يأتِ بجديد، بل بدا هنا أمينا على تعاليم عرابه "القائد المؤسس" أحمد ميشيل عفلق وسيرته الذاتية.
احمد عفلق هذا ظل طيلة حياته يوصي رفاق حزبه ودربه باهمية "الانحناء امام العاصفة حتى تمر" والانبطاح امامها، من باب " اتمسكن حتى تتمكن".
وليس هناك تجني على الرجلين وحزبهما في ما نقول، فرسالة البراءة الشهيرة التي بعثها ميشيل عفلق عام 1949، من معتقله في سجن المزة في دمشق، الى قائد الانقلاب انذاك حسني الزعيم تشهد على مانقول:
(سيدي دولة الزعيم:
أنني قانع كل القناعة بأن هذا العهد الذي ترعونه وتنشئونه يمثل أعظم الآمال، وامكانيات التقدم والمجد لبلادنا، فإذا شئتم فسنكون في عداد الجنود البنائين، وإذا رغبتم في أن نلزم الحياد والصمت فنحن مستعدون لذلك........
أما أنا يا سيدي الزعيم فقد اخترت أن انسحب نهائياً من كل عمل سياسي بعد أن انتهيت بمناسبة سجني إلى أخطاء أورثتني إياها سنين طويلة ...... واعتقد أن مهمتي قد انتهت وأن أسلوبي لم يعد يصلح لعهد جديد، وأن بلادي لن تجد من عملي أي نفع بعد اليوم....) أُفرج عن عفلق بعد أيام قليلة من تلك البراءة، ولكنه جوبه باستهجان واسع داخل حزبه وفي الشارع السوري،وطالب البعض بمحاكمته وطرده من الحزب.
راوغ عفلق وزعم انه قام بما قام به لحماية الحزب واعضائه من ملاحقات الانقلابين، وانحنى مرة اخرى امام العاصفة التي اثيرت عليه من داخل حزبه، وأعلن اعتزاله العمل السياسي، وهاجر إلى البرازيل، حيث عمل بالتجارة مع خاله المقيم هناك، ريثما تهدأ العاصفة.تجربة اخرى في طأطأة وإذعان "البعث الصامد" كانت مع قيادي كبير آخر ، ونعني به احمد حسن البكر واعلانه في الصحف الرسمية عام 1964 إعتزاله العمل السياسي، و رغبته بمغادرة بغداد الى مسقط رأسه، كي يتفرغ لتربية الابقار، منحنيا امام ضغوط عابرة تعرض لها إبان عهد عارف الاول؟!