بين الصحافة الورقية والالكترونية / سلام خماط

ان التطور في العمل الصحفي هو تطور عالمي لا تستطيع الأيديولوجيات والبنيات السياسية إيقافه أو تغيير مجراه ،فعندما يتكلم الأمريكي أو الكوبي عن حرية الإعلام فان مفهوم هذه الحرية ليس واحدا لدى الاثنين كما أن ممارسة مهنة الصحافة تختلف من بلد لأخر ،إلا أن قدرة الإعلام الإذاعي في بداية الأمر ومن ثم البث الفضائي استطاعا من اختراق الحدود بين الدول مما أدى إلى الحد من القيود التي تفرضها البلدان غير الديمقراطية على هذه الحرية ، فقد أدركت الحكومات أهمية تأثير وسائط الإعلام الحديثة الأمر الذي جعلها تتدخل في شؤون الإعلام محاولة خلق صحافة تعبر عن رأي الحكومة وهو ما يعرف باسم ( الصحافة الرسمية ) التي تسعى لضمان توجيه الرأي العام حسبما يتفق ومبادئ أنظمتها السياسية القائمة ، من هنا أصبح دور الصحافة يختلف حسب طبيعة النظام ،فالصحافة في المجتمع الديمقراطي تختلف عن الصحافة في النظام غير الديمقراطي .
إن مهمة وسائط الإعلام لا تقتصر على تغطية حاجات المواطن إلى البرامج الترفيهية فحسب بل أصبح للمواطن الحق في المشاركة الثقافية كذلك والاطلاع على الحوادث السياسية وله الحق في إبداء رأيه سلبا أو إيجابا وبدون هذه المشاركة
لقد أكدت الصحافة منذ بداياتها الأولى على تمثيلها للرأي العام إضافة إلى إسهاماتها في التقدم الحاصل في جميع المجالات ومنها مفاهيم الديمقراطية على وجه الخصوص ،وان نجاح أي صحيفة يرتبط بالدرجة الأساس في عدم تمثيلها لجهة معينة وعدم دفاعها عن مصالح فئوية ولابد لها من التعبير عن رأي كل القطاعات في المجتمع العراقي ، ومن واجباتها الأساسية الحصول على أدق التفاصيل والمعلومات عن الإحداث الجارية وجعلها في متناول اليد بحيادية تامة ، لقد تقلص بل والغي مصطلح التعدد في مجال الصحافة في العراق منذ عام 1963 حتى سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 ،حيث اقتصر على صحف السلطة وغابت المطبوعات الحرة عن الساحة ،وقد عمد النظام السابق على إبقاء عناوين وتلاوين متقاربة فما يقرأه المواطن في الجمهورية يجده في بابل والثورة والقادسية وبقيت الصحف الأخرى التي لا يزيد عددها على 9 صحف ولكن بعد عام 2003 حققت الصحافة العراقية قفزة في الكم نتج عنه نوع جيد في ظل سياسة الانفتاح الديمقراطي ألتعددي ،انفتاح وصل إلى كل متلق وجعل الخبر بالصوت والصورة في متناول الجميع ،فكانت عبارة عن مرحلة جديدة عاشها العالم تكامل فيها التخاطب والتثاقف وانتقال المعارف بصيغ جديدة سريعة ومتطورة ،لكن الصحافة الورقية تمتاز عن غيرها من وسائط الإعلام الأخرى بعلاقة متبادلة بين القارئ وكاتب النص ،علاقة صامته تسلخ السلبية عن المتلقي بخلاف الإعلام المرئي والمسموع ،فالقارئ في الصحف الورقية أما أن يكون ناقدا أو مشاركا في التحليل ولكن عن اختار واعي ،تحليل يستند إلى قراءة متأنية للحدث ،فإذا كان الكاتب الصحفي يستخدم أسلوبا مشوقا فانه يستطيع ان يجذب اهتمام القارئ رغم أن الأسلوب المشوق هو سلاح ذو حدين الأول أداة لإيصال الحقيقة والثاني أداة للتظليل يتلاعب بالوقائع ويمعن في تحريفها ،أداة تستطيع تشويه الجميل وتحول الكفاءات المهنية للمحررين إلى مطيه للأفكار الظلامية .
ان أهم ما يواجه الصحافة الورقية اليوم هو قلة أعداد قرائها الأمر الذي أدى إلى تدني مستويات مبيعاتها ،فبعض الصحف العراقية توزع مجانا على مكاتب توزيع الصحف مما جعل هذه المكاتب تبيع هذه الصحف بأسعار بخسة كما يحدث اليوم في باب المعظم حيث تباع كل أربع صحف ب(250دينار ) وهذا يدعو إلى عدم الاطمئنان والقلق على واقع الصحافة العراقية ومستقبلها ،لقد وصل عدد الصحف والمجلات ووكالات الأنباء بل وحتى الصحف الالكترونية المسجلة لدى نقابة الصحفيين العراقيين إلى أكثر من 1000 واسطة إعلام وعلى النقابة ان تعد بيانات عن عدد الصحف المعتمدة لديها لتبيان الصحف المستمرة بالصدور من التي أغلقت بسبب انعدام التمويل وقد سألت مرة الشهيد شهاب التميمي نقيب الصحفيين السابق عن عدد الصحف التي تغلق ولم يجدد اعتمادها فأجاب في كل يوم تصدر صحف جديدة وتغلق صحف اخرى بسبب التمويل ، وهنا تقع على نقابة الصحفيين مسؤولية إيجاد صيغ لمساعدة تلك الصحف كي تستمر بالصدور وان لا تكتفي النقابة بأخذ رسوم إعطاء رقم الاعتماد والبالغة ( 500) ألف دينار إضافة إلى ما تحصل عليه النقابة من نسبة 5% من أجور الإعلانات في الصحف التي تنشر إعلانات لدوائر الدولة تحت ذريعة دعم صندوق شهداء الصحافة ،
أن دخول الثورة المعلوماتية لعالم الصحافة وما شهدناه من حجم المتغيرات التي أحدثتها هذه الثورة وفي جميع المجالات من خلال توفير كم هائل من المعلومات وعلى مدار الساعة قد أهلها أن تكون متقدمة على غيرها من وسائط في مجال الإعلام ،لقد أثرت تأثيرا مباشرا في جيل الشباب على وجه الخصوص إلى درجة اعتبر هذا الجيل الإصدارات الدورية ( جريدة ،مجلة ) أشياء تحسب على الماضي وان المستقبل سيكون للشاشات الرقمية وشبكة الانترنت فقط حسب رأي هذا الجيل .
إن أهم ما يميز وسائط الإعلام المرئية ( قنوات فضائية ،انترنت ) هو التخلص من الرقابة ،إلا أن الصحافة الالكترونية لا يمكن أن تقدم للمواطن صحافة جادة ورصينة قادرة على التحليل المعمق والحوار البناء والهادئ والسبب يرجع حسب اعتقادي الشخصي إلى أن هذه الصحافة ( الالكترونية ) غير خاضعة لمعايير الصحافة العالمية ،فهي أولا لا تحتاج إلى مكان ولا تحتاج إلى ألآت طباعة أو تمويل مالي لشراء الورق أو الأحبار أو لدفع مرتبات أو أجور العاملين فيها ،وان اخطر ما في الصحافة الالكترونية ان العاملين فيها ليسوا بصحفيين حقيقيين وإنما أي شخص يمكن ان يكون مراسلا صحفيا لهذا الموقع او ذاك حتى إني اعرف منهم من لا يفقه حتى معنى كلمة إعلام أو صحافة أما بالنسبة للمصورين فيكفي أن يكون قد امتلك كاميرا رقمية فيصبح مصورا صحفيا .وان افتقاد من يعملون في هذه المواقع إلى المهنية وعدم اطلاعهم على قوانين الصحافة وجهل المشرفين عن هذه المواقع بأصول الصحافة وقواعدها تجعلهم عرضة للمسائلة القانونية وتجعلهم يعانون المشقات الكثيرة بسبب ولوجهم في هذا المسلك الوعر ، وان هذا الجهل هو السبب الرئيس لما ينشر في مواقعهم هذه من موضوعات هابطة ،من هنا استطيع القول لابد من قوانين تلزم الإعلام الالكتروني مراعاة مفهوم الإعلام الحقيقي والمعايير العالمية للصحافة فبدون ذلك فإننا سوف نشهد المزيد من الفوضى الإعلامية البعيدة عن حرية الإعلام والقريبة من مفهوم الإعلام المتحرر من النظام الدكتاتوري السابق ، وكيف يمكن أن يكون مدير موقع الكتروني أو رئيس تحرير أو أي صفة أخرى وهو لا يجيد واحدة من فنون الكتابة الصحفية ؟، أن تراجع عدد قراء الصحف الورقية ليس بسبب دخول التكنولوجيا الحديثة من انترنت وهواتف نقالة فحسب بل يرجع إلى سبب أخر مهم لا أتحرج من البوح به وهو دخول بعض الطارئين والمتطفلين على عالم الصحافة ،فبمجرد أن يحصل احدهم على دعم مادي أو تمويل من هذه الجهة أو تلك حتى نراه يعلن عن تأسيس جريدة جديدة وتحت اسم ما ويذهب إلى نقابة الصحفيين ليحصل على رقم اعتماد تسجيلها بعد أن يدفع المبلغ الذي ذكرته آنفا دون أن يسأله احد عن منجزه الصحفي وبأي جريدة كان يعمل فيصبح بين ليلة وضحاها رئيسا للتحرير أو مديرا لمؤسسة صحفية ،إن التدرج في الدرجات الصحفية يشبه الى حد ما التدرج الوظيفي الذي ينتقل فيه الموظف من درجة إلى أخرى وبعد عشرات السنين من الخبرة حتى يصل الى درجة مدير أو رئيس مؤسسة ،وهذا يعني تراجع ظاهرة المهنية بما تعنيه من عدم إجادة الاحتراف الصحفي وبما ينعكس على المادة الصحفية المقدمة وتراجع مستواها ،لذا يحتاج الشباب ممن يعملون في عالم الصحافة الى المزيد من الخبرات التي تأتي من خلال الدورات والورش والدراسات من اجل مواكبة المتغيرات الحاصلة في هذا المجال ،ففي الولايات المتحدة الأمريكية يوجد أكثر من 450 معهد للصحافة وان نسبة الزيادة في عدد طلاب هذه المعاهد ارتفع عام 2004 الى نسبة 5،2% بالمقارنة مع عام 2003 ، وان جيل الصحفيين الشباب كذلك بحاجة إلى خبرة الصحفيين القدامى الذين يمتلكون معرفة فنون الكتابة الصحفية وقواعد صياغة الأخبار .