- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 07 تموز/يوليو 2015 08:01

قراءة متأنية في الأحداث التي تمر فيها المنطقة العربية ومنها العراق، ترينا ان للعوامل الداخلية المتعلقة بالواقع الاجتماعي والاقتصادي اثرا كبيرا في احداث التغيير، فمن عوامل تدهور الواقع الاقتصادي والاجتماعي فشل البرامج التنموية التي اعتمدتها تلك البلدان، بسبب ادارة الأنشطة الاقتصادية بشكل مركزي وعدم تحقيق اهدافها، مؤدية بذلك الى معاناة المواطن في الحصول على احتياجاته الاساسية التي تؤمن له الحياة الكريمة كما انها عمقت الهوة، بين المواطن الفقير ورجل النظام وحاشيته، ما قاد الى اختلال العلاقة بين الفرد والدولة وبين المواطن والنظام. وهذا الاختلال في العلاقة امتد ليشمل العلاقة المختلة بين مؤسسات النظام نفسه، حيث اصاب الاختلال العلاقة بين الدولة والحزب الذي يقودها وبين قاعدة الحزب والمتنفذين فيه ما نجم عن ذلك كله عقود من التخلف في البنى الاجتماعية والاقتصادية، ولم تتمكن تلك الدول من تحقيق معدلات نمو تنعكس على الواقع الاجتماعي وتنهض به.
ان السياسات الاقتصادية الاصلاحية الجديدة التي جاءت بنصيحة المنظمات الدولية ادت الى تحول الدولة من دولة تهميمن على موارد المجتمع وتدعي انها اشتراكية الى رأسمالية الدولة، ولم ينجم عنها إلا زيادة في سوء توزيع الدخول والثروة وعمق التباين بين طبقات المجتمع. وكان في مقدمة المتضررين شريحة الطبقة الوسطى التي كانت ترتكز عليها فعاليات المجتمع ثقافياً وسياسيا واقتصاديا. واصبح الحرمان لا يشمل الطبقات المسحوقة في المجتمع والمتمثلة بالفلاحين والعمال، بل شمل ايضا قطاعات واسعة من الشباب المتعلم وصغار الكسبة والتجا? وموظفي القطاع العام.
وللوقوف على مدى تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية في تسارع الاحتجاجات وتحولها الى ثورات شعبية، قادتها الطبقة المحرومة من فرص العمل وصغار الكسبة والموظفين للانتفاض على الواقع المزري الذي تعيشه تلك الفئات في المجتمعات التي حدث فيها التغيير.
السياسات الاقتصادية والتنمية وعلاقتها بالتغيير:
يتفق الباحثون على ان الحراك الذي شهدته عدد من البلدان العربية عام 2011 تميز بطابعه السياسي الغالب الذي استند على اجندة سياسية داخلية بالدرجة الاولى، ولا يعني ذلك عدم وجود أجندة سياسية خارجية. وقد كان وراء هذا الحراك البعد الاقتصادي والاجتماعي لمجتمعات الدول التي حدث فيها التغيير. وهذا يعني وجود علاقة مباشرة بين المطالبة بالتغيير، وبين متطلبات التنمية التي لم تحقق اهدافها في تلك البلدان، حيث تجد ان الشعارات التي رفعت في تلك الثورات كانت تعبر عن المطالبة بالحرية والعدالة والكرامة. فهذه المطالبات تعبر عن صلب الاهداف الانمائية، وفي جوهرها مكافحة الفقر والتفاوت الاجتماعي والمناطقي والبطالة التي تضرب الشباب حيث كان لها الدور الأساس في دفع الجميع للنزول الى الشوارع والمطالبة بالتغيير.
وهذا ما يؤكد الترابط بين التنمية وبين الربيع العربي الذي عبر عن ردة فعل لاخفاق عملية التنمية(1).
لقد كانت معظم الموارد تذهب الى شراء الاسلحة ودعم السلع الاستهلاكية والخدمات العامة (التعليم، الصحة، الرعاية الاجتماعية، الطاقة) ما أثقل الموازنات العامة بديون كبيرة اذ تراوحت نسبها من الناتج المحلي الاجمالي بين (27-73 في المئة وفقا للاحصاءات الرسمية للامم المتحدة، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية). أما في الجانب الانتاجي السلعي فقد كانت الدولة هي المهيمنة على القطاعات الرئيسة في الانتاج لا سيما قطاعات النفط والغاز والصناعات الحديدية والبتروكيمياوية ولم تتمكن الدولة رغم هيمنتها على النشاطات الاقتصادية الرئيسة في تحقيق نمو في تلك القطاعات نتيجة الادارات البيروقراطية والترهل الذي طال تلك المؤسسات والمنتفعين والمفسدين وفشل المؤسسات من تحقيق اهدافها الأمر الذي دعا بعض الدول العربية الى اعادة النظر في سياساتها التنموية (2).
وعندما ظهرت الصعوبات في مواجهة الفشل التنموي في اواخر القرن العشرين. وبدأ الطرح حول ضرورة الأصلاح الاقتصادي وتوجهاته، ظهر تيار قوي مطالبا بانتهاج سياسات اقتصاد السوق الحر واطلاق حرية التجارة ورأس المال والاستثمار مما أدى الى انتهاج سياسة اصلاحية في العديد من الدول العربية ومنها دول الربيع العربي وبدعم من المنظمات الدولية. إلا ان ما جرى تطبيقه هو اعتماد سياسات اقتصادية ومالية وتجارية ليبرالية.
وضمن توجهات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، جرى اصدار العديد من التشريعات والانظمة التي كان من شأنها اجراء تحولات اقتصادية واجتماعية مع تحرير التجارة الداخلية والخارجية السماح بتأسيس المصارف الخاصة وشركات التأمين وسوق الاوراق المالية والبورصة وتخفيف الضرائب على حركة الاستثمارات.
وقد أدت هذه السياسات الى اضعاف قوة الدولة القانونية في مراقبة وتوجيه النشاط الاقتصادي وفي تلبية متطلبات تحقيق التنمية كما ان معظم الدول التي حدث فيها التغيير اندمجت بالاقتصاد العالمي والعولمة الرأسمالية المتوحشة وافرازاتها على الواقع الاجتماعي والاقتصادي وذلك من خلال اغراق اسواقها بالسلع الأجنبية ما افقد القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية واضعف القطاعات الاقتصادية لا سيما السلعية منها.
هذه الاصلاحات قادت الى سوء توزيع الدخول وانحياز الاصلاحات التي اعتمدتها الحكومات الى صالح الفئات الغنية، بدلا من ان تحقق العدالة الاجتماعية، فازدادت حالات الفقر وانتشر الفساد المالي، ادت الى توسع في النشاطات غير المشروعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الامم المتحدة – اللجنة الاقتصادية والاجتماعية- لغربي آسيا (الأسكوا) تقرير عن الاهداف الانمائية في البلدان العربية 2011 ص3.
2- منير الحبش – رؤية اقتصادية اجتماعية – لحركة الاحتجاجات السورية – مجلة المستقبل العربي – العدد 397، آذار 2012 ص230.