راهنوا عليهم ولكن خسروا الرهان / فضيلة مرتضى

منذ أستلام النظام الجديد للسلطة عام 2003 وظاهرة الفساد سمة من سمات النظام القائم على أساس المحاصصة والمكاسب المادية من خلال مواقع المسؤولية . رموز النظام أثبتوا للعالم بأنهم الأكثر فسادا في العالم . أهدروا المال العام ،أستولوا على أملاك الدولة بطرق غير قانونية ومارسوا النصب والاحتيال وغضوا النظر عن حقوق المواطنين وبات العراق يحسب حسب الإحصائيات كأسوأ دولة من حيث الفساد الإداري والسياسي ، برلمانه بؤرة يضم الكثير من الفاسدين والسارقين . لم يلبوا أحتياجات المواطن من ماء وكهرباء والأمن والعيش الكريم فالكهرباء ينقطع في الحر الشديد والماء شحيح وغير صالح للشرب إن وجد مما يضطر المواطن لشراء الماء المعبأ في القناني وهذا عبأ آخر على كاهله ناهيك عن البطالة وإنعدام فرص العمل والفقر والجهل وممارسة الأرهاب الدولي عليهم بالأضافة الى عدم قدرة الحكومة على الحفاظ على سيادة الدولة مما أدى الى سيطرة القوى الأرهابية على أكبر مدينتين الموصل والرمادي وسقوطهما سريعا . والدولة باتت غير منتجة زراعيا وصناعيا وكل المنتوجات يستورد من الخارج بحيث وصل لأقتصاد العراقي الى أدنى درجاته .
والأرهاب والفساد أبتلى بهما الشعب العراقي منذ سقوط نظام صدام حسين والى الآن فالشعب نال من الأرهاب القسط الكبير قياسا للشعوب الأخرى في الشرق الأوسط والعالم. وأستمر الفساد وأصبح كالمرض الخبيث يسري في عروق الجسد العراقي وأدمن عليها كل مفاصل الدولة العراقية والمواطن يدفع الثمن غاليا من معاناة وحرمان وجوع الى أن بلغ السيل الزبى.
وعلى غفوة الحكومة العراقية الفاسدة خرجت الجماهير الى الشوارع وساحات المدن في إنتفاضة احتجاجية عارمة وتاريخية عمت مدن الجنوب والوسط وفي بغداد وبالتحديد في ساحة التحرير لتحرير العراق من اللصوص والفاسدين وأثبتوا للذين راهنوا عليهم وقالوا بأنهم شعب غائب وجاهل وكسول وراهنوا على أن هذا الشعب أستسلم لمصيره المأساوي نظرا للظروف الصعبة التي مر بها على مدى التاريخ ففقد القدرة على الوقوف أمام الطغيان والإرهاب وشراسته ونعتوا هذا الشعب الأصيل بأبشع النعوت ولكنهم اليوم أثبتوا بأنهم شعب صبور وواعي ويدرك ما يحدث ولكنه يعطي الفرص وينتظر ما يحدث وإن أصابه اليأس من الطواغيت ينفجر كالبركان . أنتفض الشعب وكانت انتفاضته عفوية ولأول مرة نسمع هتافات تخرج من الحناجر الغاضبة{بأسم الدين باگونا الحرامية} وهذا الهتاف لم نسمعه سابقا منذ بدأ الحركات التحررية والثورات الشعبية. نعم هذا دليل واضح على أن إدارة الدولة يجب أن تديرها عناصر بعيدة عن الدين والمقصود لا يدير الدولة رجال الدين والأحزاب الدينية والإدارة عليها أن تكون مدنية بعيدة عن المحاصصة الطائفية والعرقية وما شابه ذلك الدولة بحاجة الى رجال سماتهم الوطنية والمهنية والكفاءة {والدين يبقى لله وحرية شخصية } وحينها ستكون الدولة والمواطنين بخير. فالحكومة الحالية جميع مؤسساتها تدار من قبل أحزاب دينية ووفق المحاصصة التي جاءت بالبلاء على الوطن والناس. وهؤلاء منذ استلامهم للحكم بدأوا بتوزيع العقارات والأراضي فيما بينهم وكأن العراق ملك {الذين خلفوهوم}وبنوا القصور وهر بوا الأموال الى الخارج بأسماء عوائلهم بدلا من بناء المدارس والمستشفيات والمعامل وإنعاش حركة التجارة والنفط والغاز وتوزيع الثروات على الجماهير وبناء المساكن للمعدومين وذوي الدخل المحدود ودور لرعاية الأطفال والاهتمام بشؤن المرأة بدل تكبيلها بقيود بالية وتوفير فرص العمل للشباب وتخصيص رواتب لجميع المواطنين وتفعيل قانون الضرائب الكمركية والقائمة تطول في الإصلاحات . والحقيقة الواضحة جدا هذا النظام الجديد الحاكم يحتاج الى تغير شمولي وجذري لأن الفساد نخر عظامه وصار هشيما.
أذن:{ إذا الشعب يومآ أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر} فاليوم الشعب العراقي خلع ثوب الحزن ولبس ثوب الغضب وسيستمر في ثورته الى أن يستجيب صوت الحق ويأخذ صاحب الحق حقه ولنرى ماذا يفعل رئيس الوزراء العراقي الذي ناشده الجماهير الهادرة بسحق الفاسدين ومحاكمتهم أمام أعينهم في الوقت الذي هو أول رئيس وزراء عراقي يحظى بثقة الجماهير ونتمنى أن يكون بعيدا عن قرارات حزبه ليكون عراقيا ومع جميع الشعب العراقي بكل مكوناته وألوانه .ولنرى تفعيل القرارات وتطبيقها ليرى الشعب هدية ثورته العفوية المباركة.
والذي يثلج صدورنا أن هذا الشعب أثبت بأنه لازال حي وأكد بأن من راهنوا عليه بأنه غير قادر على المطالبة بحقه وخائف ونعتوه بالجبن والكسل قد خسروا الرهان وأثبت بأنه شعب عريق وله تاريخ طويل في الثورات والأنتفاضات والتضحيات لأجل المبادئ. وسنرى ما يحدث قريبا .ولو اننا نرى خطورة الوضع حاليا ولكن الذي نتمناه تغير الوضع السياسي برمته ورمي هؤلاء السراق خارج المنظومة السياسية الجديدة. والعملية السياسية تكون بعيدة عن فكر الإسلام السياسي وبقيادة عناصر شابة تتمتع بالكفاءة والإخلاص وبأيادي نظيفة تعمل على الارتقاء بالأمة .