رسائل التظاهرات العراقية / سلام خماط

الاحتجاج والتظاهر في ظل النظام الديمقراطي له وجهان مختلفان الأول هو حق مكفول دستوريا والثاني دليل على فساد وسوء استخدام السلطة من قبل بعض من أوصلتهم أصوات الناخبين إلى المواقع الأولى في الدولة أو في السلطتين التشريعية والتنفيذية وعدم إدراكهم بان تلك الأصوات هي وحدها القادرة على أن تعيدهم من حيث أتوا إن لم نقل تعيدهم إلى الاسوأ من ذلك. وقد كتبنا العديد من المقالات والتي أكدنا فيها ضرورة متابعة المسؤول لوسائل الإعلام والاطلاع على شكاوى المواطنين وطلباتهم ولكن دون جدوى بسبب المكاتب الإعلامية للمسؤولين في عدم إيصال ما يخص دائرة المسؤول والاكتفاء بتقديم الإطراءات والمديح الزائف وبسبب المسؤول نفسه الذي لم يكلف نفسه بالنزول إلى الشارع وقد عذره البعض بسبب الوضع الأمني إلا انه لم يكلف نفسه كذلك بمتابعة هموم المواطنين المعروضة في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة ،حتى أن جريدة الصباح خصصت ملفا لهذا الغرض حيث كتب بعض الزملاء الصحفيين مقالات تحت عناوين مختلفة منها على سبيل المثال (صمت الشركاء) و( شركاء لا يقرؤون) حتى استفحل الأمر وأدى إلى ما شهده العراق من تظاهرات واحتجاجات على سوء الخدمات والفساد المالي والإداري الذي استشرى في جميع مرافق الدولة وبشكل يدعو للأسف الشديد. ان نجاح التظاهرات في تحقيق أهدافها محكوم في نوعية تلك التظاهرات خاصة إذا كانت تظاهرات مجتمعية وعفوية ومطلبية مستقلة كي تستطيع أن تشكل قوة حقيقية لتغيير صورة المشهد السياسي والذي كان السبب الرئيس وراء كل الإخفاقات التي حصلت في العراق منذ سقوط النظام الدكتاتوري إلى الان، فبعض الحركات السياسية دأبت على تجيير هذه التظاهرات لأهدافها الخاصة، الأمر الذي لم يغب عن الكثير ممن شاركوا في هذه التظاهرات حتى أنها انحسرت في الجمعة الثانية إلى عشر عدد المتظاهرين في التظاهرات التي تلتها والسبب في ذلك ان المواطن العراقي قد وصل إلى قناعة بعدم جدوى اجراءات بعض السياسيين في الإصلاح ما داموا يلهثون وراء مصالحهم الشخصية والحزبية وباعتبارهم السبب المباشر في الفرقة والمحاصصة والتناحر والبغضاء وتغليب المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية وتعطيل حركة التقدم إلى أمام ، فإذا كان المواطن قد فقد جزءا من ثقته ببعض السياسيين فكيف إذن سوف يجدد هذه الثقة بسياسيين آخرين. الجانب الاخر الذي أراد أن يجير هذه التظاهرات لمصلحته الخاصة هو بعض وسائل الإعلام العراقية والعربية المعروفة في عدائها للنظام الديمقراطي في العراق من خلال الفبركة الإعلامية أو اجتزاء بعض الصور التي تتناسب مع خطابها الإعلامي، أما القسم الثالث وحسب بعض التسريبات الإعلامية فقد استلم أموالاً من جهات داخلية وخارجية من اجل تحويل مسار هذه التظاهرات إلى فوضى للإخلال بالوضع الأمني وعكس صورة سيئة للعراق بسبب تبنيه النظام الديمقراطي. من هنا نستطيع القول انه إذا أردنا أن نحافظ على النظام الديمقراطي فعلى المسؤولين في الدولة العراقية أن يفوا بوعودهم للمواطن العراقي وعلى المسؤول أن يبدأ بنفسه وحزبه قبل أن يبدأ بالآخرين، فعلى المسؤول أن ينتقل من مرحلة الوعود إلى مرحلة التنفيذ لاسيما أن اغلب وعود المسؤولين التي سبقت التظاهرات إنما كانت حبرا على ورق كونها وعودا غير محكومة بسقف زمني ، لهذا لا تعتبر الوعود هي الحل بل التنفيذ هو الحل. لقد حاولت العديد من القوى السياسية بشكل أو بأخر تفريغ التظاهرات من بعدها الاجتماعي وهنا يأتي دور المثقف المستقل وغير المؤدلج ليقف وبشجاعة مع المطلب المجتمعي الحقيقي المشروع وان يتحرر من حالة الخوف الذي تكمن في نفسه بسبب السياسات الدكتاتورية السابقة وان يتصدى لقيادة المجتمع كي لا يفسح المجال للمستويات الأقل ثقافة للتدخل في قيادة التظاهرات مما يودي إلى نتائج تنعكس سلبا على روح التظاهرات ومشروعيتها وبالتالي إفسادها، وعدم السماح للمثقف الانتهازي الذي يتحين الفرصة للاصطفاف مع الفائزين لاصطياد اللحظة ،أن مهمة المثقف وخاصة والإعلامي تتمثل في نقل الحقيقة بحيادية وليس تصعيد الموقف أو التحريض كما شاهدناه في بعض الفضائيات العراقية المعروفة، فعلى المثقف أن يكون قوة ضغط حقيقية للسلطتين التشريعية والتنفيذية سواء في المركز أو المحافظات.