الثقافة الوطنية ودورها في مناهضة العزلة والتطرف / لطفي حاتم

يثير تراجع الثقافة الوطنية الديمقراطية وسيادة (ثقافة) الهويات الفرعية الكثير من الاشكالات والأسئلة منها ما هي سبل مناهضة (ثقافة) التشظي والانعزال الطائفي، ومنها ما هي أساليب التصدي لهويات العزلة والاحتراب الطائفي، ومنها ما هي أساليب التصدي لفرق السلفية المترابطة وأشكال الارهاب والعنف الدموي. وأخيرا ما هي مستلزمات اعادة بناء الثقافة الوطنية الديمقراطية واسترجاع وجهها التقدمي الانساني.
أهمية الاسئلة المثارة وحيويتها تدفع الباحثين الى تناولها من زوايا مختلفة رغم ان الرابط المشترك لكل الرؤى ينطلق من ان الثقافة الوطنية الديمقراطية وأساليب كفاحها لا يمكن عزله عن محيطها الاجتماعي التي تتفاعل معه في مسارات تطوره وانكساراته .
1
استنادا الى الاسئلة المثارة ارغب في إثارة بعض الموضوعات التي تشكل مدخلاً لدراسات وبحوث ربما يجري تناولها في مداخلات لاحقة ـ
الموضوعة الأولى ـ الارهاب كان ولا يزال قضية قانونية اشكالية لافتقاده الى تعريف قانوني يضع الاسرة الدولية أمام كيفية التعامل معه ومواجهته بصورة مشتركة وذلك بسبب تشابك النزاعات السياسية والمصالح الاستراتيجية الدولية مع مضامين الانشطة الارهابية لذلك أصبح الطريق طويلاً وشاقاً أمام فك الخيوط الناسجة لهذه الظاهرة الدولية / الوطنية .
الموضوعة الثانية ـ يتميز الارهاب بتشابك بنيته التنظيمية / السياسية / العنفية مع الأجهزة المخابراتية للمراكز الدولية / الاقليمية فضلا عن ترابطه مع منظمات الجريمة الدولية ، وبهذه المواصفات فان البنية التنظيمية /السياسية للمنظمات الارهابية تتزاوج فيها الروح السرية / العنفية المتسمة بمناهضة مسارات العقل الإبداعية .
الموضوعة الثالثة ـ يتداخل ارهاب المنظمات الاصولية وركائز فكرية تتلاقى فيها السلفية الاسلامية مع النبرة الفاشية الاستعلائية التي تحملها النزعة العسكرية الأمريكية .
الموضوعة الرابعة ــ استنادا الى ذلك التحديد بات على الثقافة الديمقراطية ان تعمل على مكافحة نهج الغزو والعدوان مترابطاً والدعوة الى بناء العلاقات الدولية على ركائز الديمقراطية واحترام الشعوب في تقرير مسار تطورها الاجتماعي / الاقتصادي .
الموضوعة الخامسة ـ مكافحة الأصولية الاسلامية ذات النهج التكفيري تتطلب من تيار الثقافة الوطنية الديمقراطي التركيز على الجوهر التقدمي لتاريخنا العربي / الإسلامي مع ادانة المحطات التاريخية المتخمة بالمجازر الوحشية بحق الانسان وفعاليته الفكرية المناهضة للنظم الاستبدادية .
الموضوعة السادسة ــ الصراع الدائر بين الثقافة الديمقراطية و( ثقافة ) الهويات الفرعية المتسمة بالإقصاء والهيمنة الايديولوجية تشترط البحث عن طبيعة مصالح الاطراف المنخرطة في النزاعات الارهابية وتشابكاتها الدولية .
2
اتسمت الثقافة الوطنية العراقية بسمات تاريخية افرزتها حزمة من الاسباب الاجتماعية والفكرية يمكن تناولها بعناوين مختزلة ــ
العنوان الاول ــ بسبب تعدد مكونات تشكيلة العراق الاجتماعية والسياسية تعددت مدارس الثقافة العراقية الفكرية / الفقهية وما نتج عن ذلك من سمتي الابداع والتعايش .
العنوان الثاني ـــ شددت الثقافة الوطنية العراقية على رفض مدارس اللون الواحد استناداً إلى تعدد مدارسها الفكرية / الفقهية وهذا ما أكده مسارها التاريخي.
العنوان الثالث ــ رفض اللون الواحد في الثقافة العراقية تجلت بأشكال عدة منها تعدد الاجتهاد في المذاهب الدينية وتعدد المدارس الفكرية ، ومنها تمرد الثقافة الوطنية على محاولات النظم السياسية الاستبدادية لتدجين مبدعيها وأخرها رفض الثقافة الوطنية العراقية للقوالب الأيديولوجية.
على أساس تلك المؤشرات نتوقف عند حزمة من الاسباب التي ادت الى انحسار الثقافة العراقية و فكرها الديمقراطي الإنساني المرتبط بحرية الوطن وسعادة أبنائه ، والتي أجدها في الاشكالات التالية ـ
أولا ـــ الحصار الاقتصادي الدولي والغزو الأمريكي للعراق والذي أفرز حزمة من الإشكالات الفكرية / السياسية ابرزها انهيار بنية الدولة الوطنية وتفكك منظومتها السياسية واستبدالها بمؤسسات أهلية عشائرية / طائفية / عرقية. ناهيك عن تفكك القاعدة الاجتماعية الساندة للفكر التقدمي الإنساني بعد انهيار الطبقتين الوسطى والعاملة الحاضنتين الاجتماعيتين لبنية الثقافة الديمقراطية.
ثانيا ـــ هجوم الليبرالية الجديدة المتشح بالعسكرة والغزو والعدوان والذي أصبح عاملاً أساسياً في النتائج السياسية والاجتماعية الكبرى المشار إليها .
ثالثا ــ انحياز مثقفي الطبقة الوسطى إلى الاحزاب الطائفية والعرقية ،فضلا عن انتقال كثرة من مثقفي اليسار الاشتراكي إلى مواقع الليبرالية الجديدة والترويج لمفاهيمها الأيديولوجية.
رابعا ـ ارتباط المثقف بمؤسسات الدولة البيروقراطية التي سعت الى تدجينه وأحاطته ببهرجة إعلامية زائفة. ناهيك عن اندماجه ـ المثقف ـ بالمؤسسة الحزبية التي حدت من نشاطه الإبداعي .
خلاصة القول ان الفترة التاريخية المعاصرة تتطلب من المثقف العضوي الربط بين مهمتين أساسيتين الأولى منهما الأمانة العلمية في مجال البحث والإبداع الإنساني. وثانيتهما الانحياز المطلق لحرية الفكر وفضائه الديمقراطي المرتكز على التعددية واحترام خيار الأخر.
3
إن الملاحظات العامة التي شكلت مدخلاً فكرياً لرصد حالة الثقافة العراقية تشترط الانتقال إلى تحديد العوامل الاساسية التي تشكل مرتكزات لاستعادة الروح الإنسانية للثقافة العراقية،والتي أجدها في المؤشرات التالية: ــ
1 ـ سيادة العقلية الإرهابية المنفلتة في العراق والمتشابكة مع الأنشطة الدولية / الإقليمية فضلاً عن الروح الاقصائية للأصولية الإسلامية تشترط البحث عن حلول سياسية لأزمة العراق الوطنية تمهد بدورها لإعادة الروح الإبداعية للثقافة الديمقراطية المتشحة بروح تعددية إنسانية.
2 ــ لا يمكن للثقافة الوطنية الديمقراطية أن تزدهر ما لم تكن مناهضة للغزو والعدوان ومعادية لفرض الموديلات الخارجية بالقوة العسكرية ، وبهذا المعنى فان دور الثقافة الديمقراطية يكمن في التصدي للإرهاب الداخلي والعدوان الخارجي بنزعة وطنية / إنسانية.
3 ــ التصدي لليبرالية الجديدة وخاصة ميولها الاندماجية التي لا تعير وزناً للثراء الإنساني المبني على التعددية الثقافية وبهذا المسار تصطف الثقافة الوطنية العراقية مع ثقافات الشعوب الأخرى ببعدها الإنساني المدافع عن حقوق الإنسان في أطره الوطنية.
4 ــ إعادة بناء الدولة الوطنية على أسس ديمقراطية ترقى إلى مستوى المعركة الكبرى التي تخوضها الثقافة الديمقراطية لأن تجزئة الثقافة وحصرها في أطر طائفية / عرقية يفقدها جوهرها الديمقراطي ذات البعد الإنساني.
5ـ يترابط كفاح المثقفين العراقيين من أجل البناء الديمقراطي للدولة ومناهضة تهميش القوى المنتجة في التشكيلة العراقية التي تشكل الضمانة المادية لبناء الحياة السياسية على أساس المنافسة السلمية بين الأحزاب السياسية بدلاً من الطوائف والتجمعات العشائرية .
إن الرؤى الفكرية والسياسية التي جرى اعتمادها تتعزز عبر تطوير رافعتين أولهما بناء مراكز علمية للدراسات البحثية التي تعني بإعادة دراسة التاريخ العراقي وإبراز منجزاته الفكرية والثقافية عبر عصوره التاريخية . وثانيهما تطوير دور الصحافة الديمقراطية والمجلات العلمية ورفدها بالمنتج الإبداعي للمفكرين والباحثين والكتاب العراقيين بمختلف مدارسهم الفكرية وذلك بهدف اغتناء الثقافة العراقية وبناء دورها الفعال في رفد الثقافة العربية والعالمية.
ختاما لابد من القول أن الآراء والأفكار التي جرى تناولها تشكل عتبة نحو ازدهار الثقافة العراقية الديمقراطية وتفتح الأبواب أمام مناخ المحبة والتسامح وما ينتجه ذلك من إمكانية تحقيق الشعار الإنساني الثري القائل ( دع مئة زهرة تتفتح ).