خَريفُ ألمُحَاصَصَةٌ !/ يوسف أبو الفوز

يعرف جَلِيل جيدا، أن ذكرى رحيل والدتي قبل حوالي عقدين من الزمان، وفي الاول من أيلول، يجعلني دائما أكتئب حالما يقترب موسم الخريف، ولطالما لامني لعدم الاهتمام بأعمال فنية وأدبية تناولت أحوال «ذبول الطبيعة البهيّ» على حد تعبير الشاعر الروسي الاشهر الكسندر بوشكين وهو يقارن جمال حبيبته بجمال الطبيعة في موسم الخريف :
«يروق لي حُسْنك عند الوداع !
فأنا أحبُّ ذبولَ الطبيعة البهي،
حين تكتسي الغابات بلون الأرجوان والذهب».
وجَلِيل يعرف بغرامي بفصل الربيع وما يحمله معنى الولادة والحياة الجديدة، وكيف يدخل السعادة في قلبي ظهور البراعم على الاشجار وكيف « تَرَى الوَرْقَةَ الصفراءَ تنمو على الحَيا رُوَيداً كما ينمو الرضيعُ على الدَرّ» كما يقول الجواهري العظيم في قصيدته عن الربيع .
في لقاءنا الدوري، في بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، فأجاني جَلِيل بسؤال بطريقة مازحة :» أراك هذه الايام متفائلا بموسم الخريف، شحدا ما بدا ؟».
لم استطع اخفاء مشاعري : «كل هذا يجري من حولك يا صديقي، ولا يمكنك تخمين السبب؟ ان هذا الحراك الشعبي والتظاهرات التي شملت بغداد ومعظم المحافظات العراقية، لم يقض مضجع «سياسيي الصدفة» فقط ، بل حرك أشياء كثيرة راكدة في حياتنا، وغيّر العديد من القناعات والمعادلات !».
كان الجميع ينصت لحديثنا، وحاول أبو جَلِيل أن يكتم بيده سعالا داهمه، ليسمعني جيدا: «ألم تلاحظ نجاح التظاهرات واحتفاظها بزخمها برغم الاشاعات لاجل تخويف المتظاهرين أو تثبيط عزمهم؟ ألم تر في كل أسبوع تنزل الى الساحات وجوه جديدة كانت لحد الامس القريب تعتقد أن لا فائدة من كل هذا ؟ «
أقتربت زوجتي منا، وراحت توزع استكانات الشاي للملتفين حولنا ، وواصلت بحماس مستمدا عزما اضافيا من ابتسامتها وبريق عينيها: «ربما لا تحقق التظاهرات كل ما رفعته من شعارات، لكني أتفق تماما مع الرأي القائل ان تعليق بعض الجماعات لمشاركتهم في التظاهر، بين ان هذه الجموع المحتجة، وخصوصا في ساحة التحرير، ما هي الا جموع المدنيين حصرا. وهذا يا صاحبي يعزز الآمال بأن هذه التظاهرات السلمية، وهي تتسع وترفع نفس الشعارات الواقعية واللصيقة بهموم الشعب وتطالب بالدولة المدنية والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد والمفسدين وتحقيق الاصلاح السياسي ليشمل السلطات الثلاث، ما هي إلا اعلان صريح بكون موسم خريف المحاصصة الطائفية قد بدأ ، ومن هنا تفاؤلي بالربيع القادم !»
طيلة حديثنا كان أَبُو سُكينة منصتاً لنا باهتمام. شرب ما تبقى في استكان الشاي دفعة واحدة، ورفع صوته : ما دامك متفائل، وقرأت لنا شعرا، أريدك تعرف اني متفق معك ألفين بالمية. خريف حكومات المحاصصة قد بدأ، من حيث ان جارنا «أبو فلان» هو دائما عندي افضل مقياس لتطورات الاحداث. بزمن المجرم صدام كان يتبختر بالزيتوني ويمسد بشواربه الثخينة من نوع ثمانية شباط ويردح لحياة القائد أبو عيون الذهب. ومن جاء الاحتلال الامريكي صار ما يحكي الا «أوكي» و» ثانك يو». ومن توالت حكومات المحاصصة اطلق لحيته وصارت المسبحة ما تفارق اصابعه المثقلة بالمحابس. التقيت به قبل أيام وأنا راجع من المستشفى، للامانة المسبحة بعدها بيده، ولكن لفت انتباهي تناقص عدد المحابس، وأنه حلق لحيته وشذب شواربه الخفيفة، وشايل كومة جرايد تحت ابطه ! أوافقك الرأي.. لأن هذا نوع خاص من البشر، رغم طفيليتهم ، لكنهم يشمون الاحداث بفطرة عبقرية ويستعدون لها بشكل جيد !