البصرة مدينة منكوبة / احمد عبد مراد

هي مدينة النخيل الباسقة ، مدينة الماء والحناء والظلال الوافرة مدينة الحسن والجمال ومدينة الفراهيدي والسياب ..هي لؤلؤة الخليج ،فيحاء العراق وقلبها النابض ..هذه المدينة تموت اليوم عطشا امام اعين ساكنيها الاصلاء والوافدين اليها والمارين بها ..البصرة الغناء التي تدر ذهبا وخيرات جما لاتحصى على العراقيين من الحدودي الى الحدود تؤكل لحما وترمى عظما وكما في المثل ( الجمل يحمل ذهبا ويأكل العاكول..نوع من الشوك ) البصرة التي كانت هادئة هانئة جميلة معطاء تغفو على شواطئها الطيور بكل اصنافها وتعيش في مياهها مئات الانواع من الاسماك وتخور السفن عباب مياهها.. الاف البواخر التي تاتي من كل انحاء العالم لتوّرد وتستورد الخيرات لتعم العراق من اقصى شماله وغربه حتى جنوبه وكما هي الزوارق مختلفة الاشكال والالوان ومتعددة المهام والاستخدامات ..موطن اجمل الطيور المحلية والمهاجرة التي تطرب تغريداتها الساحرة السامعين وغلاظ القلوب، كل ذلك تجود به هذه المدينة المعطاء بينما هي اليوم تئن من ثقل ويلاتها وغدري زمانها وجحود حكامها وناكري جميلها .
هذه هي مدينتنا اليوم ، صحراء قاحلة لا اشجار ولا ظلال ولا مياه ولا طيور ولا بواخر ولا زوارق ولا حناء ولا اثل ولاحدائق ولا بساتين .. سكانها يشربون الماء المالح والذي لا يصلح حتى للغسيل نهرانها التي جفت اوالتي تختزن المياه الاسنة تحولت الى مكبات للنفايات والقاذورات وتحولت بدورها الى مصدر للامراض المختلفة ومنها وباء الكوليرا، حدائقها التي كانت في زمن ما غناء تسر الناظرين تحولت الى مزابل .. برك المياه الراكدة التي يعج ويمج ويعيش فيها اصناف من الحشرات المستوطنة والوافدة وكلها مصادر للعدوة والامراض المختلفة بما فيها المستعصية ،هذه المدينة التي تعرضت لثمان سنوات من الحرب الايرانية العراقية والتي دكت بمختلف انواع الاسلحة الفتاكة ناهيك عن الحرب التي شنت عليها اثر تحرير الكويت حيث القيت على ارضها وساكنيها اسلحة اليورانيوم المنضب والذي تسبب ببيئة مسرطنة، وغير ذلك من هوائل وجورالمحتلين والحاكمين ،كل ذلك حل بهذه المدينة وهي مهملة تماما ويعيش اهلها الامرين ويكابدون الضيم والعذاب وهم يستغيثون فلا من سامع ولا من مجيب .
اليوم وبعد اليأس المطبق الذي يستشعره ويعيشه سكان المحافظة وبعد ان ملو المناشدات والمخطابات والاسترحامات والمطالبات التي ليس لها اول وليس لها اخر، فقد ايقنت جماهير البصرة بأن لا منادات تنفع مع حكام البصرة ولا مع الحكومة الاتحادية فنزلوا الى الشوارع وكانوا باكورة الانتفاضات والمظاهرات المطالبة بالاصلاح وكنس الفاسدين والمرتشين وجماعات الجريمة المنظمة والخطف والاغتيال ونبذ سياسة المحاصصة والطائفية المقيتة .
فيا جماهير البصرة الفيحاء ويا جماهير ساحات العراق المنتفضة هبي منادية باعلى اصواتكم مطالبين بتحقيق مطالبكم وحقوقكم العادلة ولا تنسوا ان تطالبوا باطلاق سراح المختطفين من قبل عصابات الظلام واجهزة الامن ومنظمات الجريمة المنظمة ..والى امام.