أمنيات بسيطة.. ليس إلا.. / عبدالسادة البصري

مُذ كنا صغاراً ونحن نحلم بالأمان والدعة والسلام ،،حينما يسألنا آباؤنا :ــ ماذا تتمنون لعامكم القادم ؟!.. نجيبهم :ــ أن ننجح في المدرسة، وأن نحصل على ( بايسكل ) أو ( ساعة )، وكبرنا فكبرت معنا الأمنيات ، وصرنا نحلمُ بأن نحققَ أحلامنا في مستقبلٍ زاهرٍ ومترعٍ بالنجاح والتألق.
أذكر مرة سألني معلمي في اليوم الأخير من السنة الميلادية :ــ ماذا تتمنى لسنتك الجديدة ؟! أجبته بلا تفكير وبسرعة: أن أنجح أستاذ ويشتري لي أبي ( ساعة ).. فضحك وقال :ــ حينما تجتهد وتجد في دروسك وواجباتك ستنجح حتماً وستحصل على ما تريد.
وأذكر بعد ذلك بعشر سنوات واجهت السؤال نفسه من أحدهم فكان جوابي النجاح والحصول على هدية أيضاً، أمنيات صغيرة جداً لن تبتعد عن البساطة أبداً ، وباستطاعتنا أن نحققها دون أن نحلم بها ، من خلال اجتهادنا ومثابرتنا وعملنا المخلص.
وبعد سنوات وسنوات تغيرت الأماني والأحلام وصارت قلقاً يسكن النفوس وأرقاً يقضُ مضاجعنا كل حين ويجعلنا ندور في دوامة كبيرة .والسبب تغير الحياة وتعقيداتها، فصرنا نحلم أن تنتهي الحرب ونعود سالمين الى بيوتنا، ونحلم أن يعم السلام والأمان في كل مكان، بعد أن ابتلينا بالحروب والخراب وصارت نفوسنا تتوق الى الحرية التي استلبت منا، والى السعادة التي صرنا نبحث عنها في دهاليز مظلمة، والى الأمان الذي ابتعد كثيراً عن عالمنا، ونحلم بمأوى يحمينا حر الصيف وبرد الشتاء! وكلها إذا تمحصنا فيها سنجدها أمنيات بسيطة جداً،، تتحقق بعد أن تصفو النفوس وتتهذب الأرواح والعقول وتنبض القلوب بالمحبة،، فالمحبة أساس كل شيء جميل في هذا الوجود، ولأننا فقدناها شيئا فشيئا تحول المكان الى جحيمٍ لا يطاق وصار البعض يحلم بالهجرة ويمني النفس بملاذٍ آمن تسوده المحبة والمسرة والسلام!
وكلنا يتذكر أغنية عبدالحليم حافظ في فلم معبودة الجماهير بعد أن بادلته شادية الحب حيث يقول :ــ
(ياعينيه .. ياقلبي .. جرى إيه.. الدنيا حلوت كده ليه...
يااصحابي.. يا أهلي .. ياجيراني .. أنا عايز آخذكو بأحضاني )
نعم ،،إنها لفرحة كبرى أن تتحقق هذه الأمنيات البسيطة جدا ويعود الناس في وطني يغنون للحب وبالحب ...ونستطيع تحقيقها هذا العام وكل عام إذا فكرنا قليلاً وأبعدنا شبح الطائفية والحقد عنا، وغمرت الإلفة والتسامح والصدق والإخلاص والمحبة نفوسنا وعقولنا وأرواحنا.....وكل عام والوطن والناس بألف خير!