الموت ما ياخذ هرش لَمْ / عريان السيد خلف

لسنا ممن تنكفىء ارواحهم وآمالهم في المواقف او الاحداث الحالكة. ولكننا نتأثر وبشدة عندما نفقد عزيزاً خبرناه وعايشناه، وعرفنا معدنه وصلابة مواقفه وطيبة نفسه وجمال صفاته ونكران ذاته.
قال لي عبيد آل مبارك وانا امسح دمعة غالبتني وقال: الحمد لله اللي بچاك وخله ادميعاتك يصبن مثل دمعة اليتيم. قلت: يا عبيد بعض الناس يستحقون الدمع حين فقدانهم لانهم لم يتركوا غير الطيب والذكر الناصع.
اعتذر عبيد عندما وجدني جاداً ومختنقاً بعَبرتي كما يقال. وقال: يخوي كل احنه انموت لكن المصيبة ان «الموت ما ياخذ هرش لم، ياخذ ورد ويريد يشتم».
قلت وهو كذلك ولكن يا أبا مالك سأحدثك عن (ابو رافد) المرحوم فائق بطي. لقد عايشته كثيراً سواء في الحزب او في الجريدة ومنذ السبعينات، ولكن ولا مرة وجدته عابساً او متشائماً. بل على العكس كان دائم الابتسامة وكثير المداعبة الودودة لرفاقه واصدقائه، حتى وهو متعب. وقد زرته مرة في مستشفى بغداد اثر نوبة ألمت به وكان يبتسم ويحاول الجلوس من رقاده لكنني رجوته ان يأخذ راحته. وخرجنا من غرفته بعدما طمأنني صديقي الدكتور جاسم العزاوي على زوال الخطر. وبعد ان تشافى رجع الى حاله باسماً متفائلاً وكأنه يقول: الدنيا بخير.
في زيارتي لامريكا بدعوة من الجالية العراقية هناك، وكنت آمل ان تكون امسيتي غاصة بالرفاق المتواجدين هناك، فوجئت ان اغلبهم لم يحضر الامسية. وهذا جعلني استفسر عن سبب ذلك، وقد عرفت في اليوم الثاني ان احد (ابطال) الانتهازية وصل قبل زيارتي لاجئاً أشاع بأنني (مدير تلفزيون الشباب)! وهذا كافٍ ان يقطع حبل المودة بيني وبين رفاقي في الخارج الذين استطاع هذا (البائس) اقناعهم بكذبته، لذلك قاطعوا امسيتي. مما جعلني في حال صعب. حاولت ان اقطع زيارتي واعود، لكن يبدو ان فائق بطي عرف ذلك فطار من لندن على الفور الى ديترويت او مشيغان وراح يبحث عني ويسأل. وحين اخبره احدهم اني اجلس في مطعم خان مرجان، دلف الى المطعم واحتضنني وقد بكيت على كتفه. ولم يتركني الا ان اوضح للآخرين الحقيقة، فتغير كل شيء وانزوى الكذاب متذرعاً بآلاف الاعذار التي تستر بها على سرقاته التي سجن من اجلها، وعلى ما قدمه للنظام من مدائح وردائح وغيرها.
مر الوقت وتتالت الأماسي والجلسات وكانت تعج بالالفة والود والانشراح، وغاب عن الانظار ذلك الكاذب.
قاطعني عبيد وهو يقرب فمه من اذني ويهمس: « اكلك هذا مو فلان؟ «. قلت: «بالضبط يا عبيد هذا (الضرغام)». ضحك عبيد وردد: اذا يا هو اليجينة ايصير ضرغام.. چا امي الكبل تكتب تقارير؟
قلت له المهم ان هذا (الأخ) بعد فترة توسل لاحد اصدقائي ان نظهر انا واياه في مناظرة تلفزيونية على احدى الفضائيات العربية هناك. ضحكت وقلت لصاحبي انا لا أظهر معه، ولكن سأعطيك بيت ابو ذيه ارجو ايصاله له وليعتبره مناظرة:
الدمع نهران يجري ونته باره
وفشل وياك نصطف ونتباره
ابغلاة الزلم صدك انته باره
فلا تسوه وعلي حامي الحميه
قرأه صاحبي واسمعه الى المرحوم فائق بطي الذي ابتسم وقال لي: ما تجوز من شغلاتك!
لك المجد اليوم، ولنا الصبر بعدك يا أبا رافد.