ام هاشم والذيب / عريان السيد خلف


كان الفتى عاشقاً ولهاً حين انتهى به الحال خلف ابواب هذا السجن محروماً من حبيبته الجميلة متذكراً ابتسامتها وهمساتها الدافئة وعيونها العاجة باللهفة والحب والانوثة.
لذلك عندما زارته امه (العلوية ام هاشم) في المواجهة طلب منها ان تقدم طلباً للحاكم العسكري آنذاك، واعتقد انه كان رشيد مصلح، وان تطلب منه اطلاق سراح ابنها لزغر سنه ولعدم ثبوت اي شيء ضده. قالها وكرر عليها القول وهي تستمع حائرة الى طلبه.
وبعد انتهاء المواجهة ووصولها الى الباب مع العوائل الاخرى صاح عليها: يمه لا تنسين الطلب. وهكذا بعد يوم ذهبت العلوية الى وزارة الدفاع التي كانت مقر الحاكم العسكري وهي تحمل الترجي لاطلاق سراح ولدها لزغر سنه وعدم وجود ادلة ضده.
حينما وصلت الى باب الوزارة المحروسة بالحرس والانضباطية منعوها من الدخول، بل وقام احدهم بدفعها واسقاطها ارضاً. الا انها تماسكت ونفضت عباءتها مما لحق بها من تراب ووقفت في زاوية من زوايا الباب الكبير. وبعد ان طال انتظارها فوجئت ان الجنود اصطفوا واحداً جنب الآخر، وصرخ احدهم: لقد جاء الحاكم العسكري.
وهكذا استغلت الظرف ودلفت راكضة داخل الوزارة الا انها فوجئت بسيارة الحاكم امامها فلحق بها بعض الجنود وانهالوا عليها باخماس البنادق. مع ذلك استطاعت ان تصرخ بوجه الحاكم: ليش ليش ليش؟ مما جعله يطلب من الجنود التوقف عن ضربها. وسألها وهو في السيارة: شنو ليش؟ فردت الام الشجاعة قائلة: ليش اتكلهم اضربوهه؟ قال: انا لم اقل لهم ذلك. فردت عليه قائلة: حينما يضربونني امامك يعني ان هذا بأمرك. فترجل من السيارة وطلب منها ان تقترب، وحينما اقتربت منه قال لها ما مشكلتك؟ ناولته الطلب وقال لها ولماذا سجنوه؟ ردت عليه قائلة: يقولون انه شيوعي، وهو ما زال حديث السن وهذا الكلام يتطلب رجالاً كباراً. فضحك وقال: وانتي ماذا تقولين. ردت قائلة: ولدي صغير وهو ليس كما تتصورون وغير شيوعي. قال لها حسناً سأعطيك ورقة مقابلة له واطلبي منه ان يكتب لنا براءة من الحزب الشيوعي، وسنطلق سراحه فوراً ويذهب معك الى البيت. ثم ركب سيارته وانطلق تاركاً اياها بحيرتها وذهولها.
عادت الى البيت على امل ان تزور ابنها غداً. وفي اليوم الثاني كانت على باب السجن تحمل الورقة التي اعطاها لها الحاكم فادخلوها الى ابنها في القلعة الخامسة فاحتضنته رغم آلامها من آثار الضرب، واجلسته في حجرها وهي تتشممه وتقبله بين لحظة واخرى. وعندما انتهوا من العناق والدموع سألها بلهفة: هل راجعتي الحاكم العسكري؟ فتجاهلت سؤاله ونظرت الى كرة الطائرة المنصوبة في ساحة القلعة وسألت ابنها:
- هل يسمحون لكم بلعب الكرة؟
اجابها: نعم.
وبعد لحظات جاء احد زملائه في السجن وهو قريب من عمره وسلم عليه. ففرحت وقالت: يمه ربعك هم بكصتك. الحمد لله يمه متونسين اهنا. يمه لا تهم بينه، احنه الله مدبرها وآنه ملايه وابوك يشتغل وعايشين خير من الله.
ازاح الفتى هذا الكلام وراح يسألها بإلحاح عن الحاكم العسكري مما احرجها وجعلها تقول بثقة وحزم: لا يمه ما ريدك تطلع ذليل..
واخذت تقرأ:
الذيب ذبلي احچايه رجفلي البدن
يوليدي بس جرة قلم طلبوا ثمن
واتذكرت يبني اشكثر غالي الحزب
واتذكرت يبني الزلم صعدت على اعواد الصلب
يوليدي اريدك دوم تنضم بالگلب
وآنه العليه من الليالي اشما تجور ارجه الگمر
وشما تبور الگاع غصبن عالسمه اتكت المطر
والريح حگها الرمل مو حگها الصخر.