- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 27 آذار/مارس 2016 19:07

مبهج حقاً هذا العدد من طلبة الدراسات العليا. سواء للماجستير او الدكتوراه، ولكل الفروع، في الآداب وفي العلوم، في المعرفة كلها، لا نفضل تخصصاً على آخر. كل الآداب، وكل فروع الانسانيات والعلوم والفنون مفيدة ومحترمة وكلها مهمة. فما ليس مهم لك فهو مهم لغيرك، وكل المعرفة للبلاد وللناس في بلدنا وفي العالم.
لكنني ألاحظ ثمة تساهل في موضوع الرسالة او الاطروحة. الموضوع يبدو احياناً مصطنعاً ويمكن ان يكون ضمن موضوع اساس اكبر. في الادب كُتبت رسائل عديدة بحكم علاقات او اعجابات او مودات شخصية. مطلوب ان تكون الكتابة لمتابعة تطور مسألة او ظاهرة شائكة او هي تحتاج مزيدا من البحث. قيمة الرسالة، قيمة الاطروحة تكمن في ما تضيفه، في ما تستنتجه، في ما تكشف عنه من جديد. اما جمع المقولات والشواهد ووضعها معاً مرقمة ومغلفة، مزينة بالشكر والادعية والآيات، وهي ليست إلا قصاصات معدّة إعداداً عن مصادرها، ولا جديد فيها ولا ضرورة لها، فهذا عمل يفتقد اساساً شروطه العلمية. بعض المشرفين مع الاحترام لا يزالون دون جدارة الاشراف، ومناقشات الرسائل تحفل بالشكليات، ونادرة هي الملاحظات العلمية.
نعم، نحن لا نريد ان نؤخّر صاحب الرسالة او الاطروحة، ونريد سعةً ومرونةً في اختيار الموضوعات، لكننا نريد دراسة متقنة وفي موضوع يستحق البحث فعلاً. كاتب الدراسة او الاطروحة يعمل ويُمضي وقتاً ويبذل عمراً وجهداً. فليكن هذا في موضوع جدير بالجهد، موضوع يسهم في تطوير حقل الدراسة ويضيف لنا جديداً. الفرق واضح جداً بين الاعداد والتأليف والبحث. الاعداد جمع مقولات وتصنيفها في أبواب. وهذا هو ما يتم فعلاً، وهو غير كتابة البحث الذي يتطلب عرضاً لما كان واستنتاجاً، ويضيف الى ما تم شيئاً. ثمة تساهل في اختيار الموضوعات وتساهل – وحتى تعاون غير اصولي في الكتابة، ثم تساهل في المناقشة.
فنحن بمثل هذه التهاونات غير المقبولة اكاديمياً وفاقدة الجدّية في الدرس واللا علمية في البحث، نفرح بشهادة مزوّقة ونخسر كل الجهود، جهد الطالب وجهد المشرف، ولا تحتاج جلسة المناقشة بعد كل هذا الى اروابهم السوداء.
كل المنظرين والاساتذة الكبار والعلماء في العالم خرجوا من الاكاديميات، وحين يُذكر ناقد كبير او عالم تاريخ كبير، او فيلسوف، يقولون تتلمذ على يد فلان، ودرس عند فلان، من كان قبله كبيراً وهو جاء كبيراً، وهكذا يزداد الشرف العلمي وتتقدم المعرفة والحياة.
في بعض المناقشات لا يبدو اننا نحتاج الى أرواب اكاديمية، ما نحتاجه هو بزّة منتسب مرور ليشير للطالب بالمرور، وإن كانت إشارة "الترافك" حمراء!