مبادرات محكومة بالفشل! / عبد الرزاق الصافي

تعاني العملية السياسية الجارية في العراق،منذ العام 2003،التلكؤ والتعثر الشديدين في اعقاب انتخابات البرلمان في ربيع 2010.هذا التلكؤ والتعثر الذي تحول من ازمة حكومة الى ازمة نظام، بسبب الاساس الخاطئ الذي بنيت عليه، ألا وهو المحاصصة الطائفية والاثنية. واشتدت الخلافات والصراعات بين القوى التي تألفت منها الحكومة الحالية،التي سميت بحكومة الشراكة الوطنية من دون وجود شراكة حقيقية.ونشأ وضع لا مثيل له في اي حكومة في العالم.ذلك ان القوى التي تتشكل منها الحكومة قوى متصارعة في ما بينها رغم مشاركتها في الحكومة. ولذا لم ?عد هناك قوى تشكل الحكومة واخرى قوى معارضة في البرلمان تراقب وتحاسب الحكومة ،كما هو الحال في كل الحكومات البرلمانية في الظروف الاعتيادية . وبسبب من هذه الحالة غير الطبيعية صار الاداء الحكومي متعثراً. والطبقة السياسية عاجزة عن معالجة الامور الهامة . فتعديل الدستور، الذي يفترض ان يتم منذ سنوات عديدة ، اصبح نسياً منسياً. وما يزيد عن خمسين مادة في الدستور تتطلب اصدار القوانين الناظمة لتطبيقها مجمدة . وتوقف العمل في تشريع قوانين مهمة تخص النفط والغاز وموضوع الاحزاب وتعديل قانون الانتخابات البرلمانية، بما ينسجم ?ع قرار المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية سرقة اصوات الناخبين الذين لم تفز القوائم التي صوتوا لها،واعطاء اصواتهم، التي بلغت ما يزيد عن المليوني صوت في انتخابات 2010 للقوائم الفائزة. وتوقف العمل في اجراء الاحصاء السكاني المهم للإنتخابات والتخطيط الاقتصادي والتعليمي والاجتماعي والصحي وقانون المحكمة الاتحادية.هذا الى جانب عدة قوانين مهمة اخرى تنتظر التشريع غير ان الصراعات بين الكتل التي تتشكل منها الحكومة وتمسك كل طرف بمصالحه الفئوية الضيقة عرقلت وتعرقل العمل الحكومي وتأمين الخدمات الضرورية للمواطنين وفي ?قدمتها الكهرباء والماء الصالح للشرب وتأمين العمل للعاطلين والقضاء على الفقر الذي يعيش فيه ما يقرب من ربع سكان البلاد رغم مئات المليارات من الدولارات الامريكية التي امنتها الثروة النفطية.
هذا الوضع المكرب استغلته القوى المعادية للديمقراطية الطامحة الى نسف ما تحقق والعودة بالبلاد الى نظام المقابر الجماعية والعدوان على الشعب الكردي وتوريط الوطن بالحروب ضد الجيران والاشقاء وتصعيد الارهاب والتخريب وتعمق الفساد وتعاظم الخروقات الامنية وأفظعها مهاجمة سجني التاجي وابو غريب وتهريب مئات من عتاة المجرمين بالتواطؤ مع مسؤولين عن الامن في هذين السجنين. ومع ذلك لم تكف القوى المتصارعة على السلطة والمال والنفوذ عن الصراعات في ما بينها ، بدلاً من التأزر لوضع حد للنشاط التخريبي والفساد الطاغي في كل المرافق.
وللرغبة بوضع حد لهذا التدهور الشامل دعا الرئيس جلال الطالباني قبل نحو سنة الى جمع القوى المشاركة في الحكومة للاجتماع لوضع حد لهذا التدهور ولم تجر الاستجابة لما دعا اليه، بل تفاقمت الامور اكثر فبادر السيد عمار الحكيم الى جمع القوى السياسية المشاركة في الحكومة وقوى خارجها الى اجتماع لم يستهدف اكثر من ترطيب الأجواء بأمل معالجة الأمور بهدوء، الذي تحقق بشكل جزئي سرعان ما تبدد.وكان آخر هذا المبادرات ما دعا اليه السيد الخزاعي نائب رئيس الجمهورية للقاء يصدر عنه ما سمّي «ميثاق شرف» لا حاجة له لو ان ممثلي القوى السي?سية التزموا وطبقوا ما اقسموا عليه في قسمهم الدستوري، ولو تخلو عن التمسك بالمحاصصة التي ظلوا يلعنونها بالكلام والتصريحات ويتمسكون بها بشدة عند تشكيل الهيئات ، مثلما حصل عند تشكيل المفوضية العليا المسماة مستقلة .
إن الوضع خطير وهو مفتوح على الكثير من الاحتمالات السيئة ما لم تتكاتف كل القوى الخيرة وتتحرك كل قوى المجتمع المدني والمرجعيات الدينية من اجل التوقف عن السير نحو حافة الهاوية والتعاون من اجل الحفاظ على الدستور واعتماده في حل كل الاشكالات والتخلي عن اعتماد المحاصصة الطائفية والإثنية التي سببت كل هذا الخراب!