العراق بين الإصلاح وفضائح الفساد / احمد عواد الخزاعي

لم يعتد الشعب العراقي على مشاهدة هكذا عروض مسرحية سياسية من النوع الثقيل، كالتي حدثت في يوم الأول من آب تحت قبة البرلمان، فطيلة المرحلة السابقة التي امتدت لأكثر من ثلاثة عشر عام، لم يخرج الصراع القائم بين الأحزاب والكتل السياسية والشخصيات المتنفذة على الساحة السياسية العراقية عن السيطرة، وبقيت كل خلافاتهم تخضع لعاملي التوافق والمساومة، وهذان العاملان هما السبب الرئيسي في كم الخراب الذي نعيشه الآن وعلى جميع الأصعدة، لكن في غفلة من الزمن، وكنتاج للفوضى والإرباك السياسي الحاصل الآن، وكنوع من حالة تعويضية او صحوة ضمير متأخرة جدا اتجاه الشعب المغلوب على أمره، تكاشف الإخوة الأعداء فيما بينهم على مرأى ومسمع هذا الشعب، وفجر وزير الدفاع قنبلة من العيار الثقيل، ليطيح بالمؤسسة التشريعية بدء برئيسها وانتهاء ببعض موظفيها الكبار، ليكشف لنا عن قمة جبل الفساد الرابض تحت ركام التوافقات والمجاملات والمنافع الحزبية والشخصية، وبغض النظر عن كمية الحقيقة التي اكتنفت حديث السيد الوزير، إلا أن ما ذكره هو غيض من فيض، لفساد نخر مؤسسات الدولة العراقية، وأنتج دولة فاشلة بكل المقاييس وتحول هذا الفساد إلى نمطية اجتماعية ومعيشية للكثير من العراقيين، من كتل سياسية وأحزاب وموظفين كبار وحتى الصغار منهم، فالذي كشفه السيد الوزير هو حصيلة عامين فقط من الفساد والابتزاز والمحسوبية لوزارة واحدة من بين أكثر من ثلاثين وزارة، كانت تبتلع الميزانيات الانفجارية للأعوام السابقة دون أن يلحظ المواطن العراقي أي تغيير يذكر على واقعه المزري، حتى تكونت طبقية اجتماعية تتصدرها النخب السياسية وثلة من المقاولين من أقربائهم، أعطوا ظهورهم لجماهيرهم التي انتخبتهم تحت تأثير حمى الطائفية والقومية التي كانوا سببا مباشرا في إثارتها وتأجيجها، ليتخندق البسطاء من الناس تحت مسمياتهم وعناوينهم التي تفوح منها رائحة الفضيلة والإخلاص والوطنية، لكن السؤال هنا .. ما هي النتائج التي ستترتب على هذه الفضيحة على المستويين السياسي والشعبي..؟
القاصي والداني بات يدرك عجز المنظومة السياسية القائمة في العراق منذ عام 2003 على إدارة دفة السلطة فيه، وان الفشل السياسي هو سمة العراق الجديد الذي بات يتصدر قوائم أكثر دول العالم فسادا، العراق الهش بجميع مفاصله التشريعية والتنفيذية والقضائية وغياب دولة المؤسسات فيه، وان مثل هذه الفضيحة لو حدثت في بلد آخر لأطاحت بالعملية السياسية برمتها في ذلك البلد .. لكن في العراق فاعتقد أن السيناريوهات معدة مسبقا لامتصاص مثل هكذا صدمات سياسية وتجاوزها بأقل خسائر ضمن صفقات ستعقد في الغرف المظلمة بين أكثر القوى السياسية تقاطعا واختلاف، والسبب هو لإغلاق هذا الباب الذي فتحته شجاعة وجرأة وزير الدفاع ولكي لا تتحول هذه القضية إلى سابقة وتكون بداية لسلسلة اعترافات من وزراء آخرين، قد تطال تداعياتها جميع الفرقاء في العملية السياسية، وسيكبل القضاء العراقي بمعادلات التوازن والتوافق والحفاظ على العملية السياسية مرة أخرى ويحجم مرغما على القول الفصل في هذه القضية الخطيرة، إضافة إلى وجود العامل الخارجي كون العراق واقع ضمن مجال حيوي سياسيا واقتصاديا تهيمن عليه رؤى ومصالح الدول الكبرى ودول الإقليم والتي سيكون لها رأي مهم وفعال وستتحكم بشكل مؤثر بتداعيات هذه الفضيحة على المستويين السياسي والشعبي، العراق الآن على مفترق طرق بين أن يسلك طريق الإصلاح الحقيقي التي ينشده الشعب منذ سنوات وهذا يحتاج إلى رجال دولة من طراز خاص وقرارات جريئة وتاريخية، وبين المضي في مشروع نهب الدولة العراقية ليدفع ثمن هذا المشروع، العراق بكل ارثه الحضاري والإنساني ومن خلفه فقرائه وأجياله القادمة.