سيد قطب يسجن الطفولة العراقية / عبد جعفر

الحقيقة الماثلة أمامنا، هي أن اللصوص الكبار في العراق طليقي السراح، بل هم الخصم والحكم. وأذا مسك أحدهم من بلع (مال الله والعباد) عن طريق الخطأ أو المصادفة يحكم عليه بإحكام خفيفة، وتعمل الجهات المتنفذة الى إطلاق سراحه قبل إكمال مدة محكوميته أو تهريبه للخارج مع حصوله على (صك البراءة). ولكن أن سرق أوجنح أحدهم، كالطفل من السماوة يحكم عليه بالسجن.
التفسير الواضح أن الجهات المتنفذة تدعم بعضها البعض من أجل وقف تداعي نظامها وإستمراء عمليات السلب والنهب.
ولكن ما هو المرجع الفكري لهذه الظاهرة، رغم إدعاء المتنفذين بالورع والتقوى والسير على نهج الصالحين، ومعرفتهم بهلاك الذين قبلهم لأنهم كما يقول الرسول الكريم « كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»؟
لم أجد وأنا أبحث عن إيجاد جواب لهذا السؤال، ألا تفسيرا واحدا في كتاب (نقد الخطاب الديني) للراحل الدكتور نصر حامد أبو زيد، حول إقامة الحد على السارق،أذ أن فيه عرضا لآراء سيد قطب منظر الأخوان المسلمين (أعدم عام 1966) والذي تستند على أفكاره كل الجهات المتنفذة بكل تلاوينها الطائفية.
فالحد الذي يقام على السارق هو أخذه للمال في مكان مغلق (محرز) وأن يكون المال المسروق ملكية خاصة للمسروق منه.
وبهذا يستبعد في هذا الحكم :
*كل من يستولي على أموال بعض المواطنين، وهذا ما يفسر تغاضي المحاكم عن تجاوزات وسلب عقارات المواطنين من قبل المتنفذين ليس هذا فقط بل سلب الممتلكات العائدة للدولة، سواء بالقوة أو التزوير.
* من هرب أموال البلاد الى الخارج، وما أكثرهم اليوم، أذ تشهد عواصم أوروبية وعربية على شراء العقارات الفخمة بملايين الدولارات لصالح الجهات المتنفذة. ومازال اللصوص يتمتعون بمكانتهم وإحترامهم.
* من أستولى على بعض من المال العام أوكله، فلا يعتبر سارقا إذا كان له في المال المسروق نصيب. كما نعرف البعض يشير الى سرقة 300 مليار دولار من الخزينة العراقية وبعضهم يوصلها الى ألف مليار. كما لا يخجل البعض عن إعلانه جهارا نهارا عن حصوله على رشى كي يسهل عمل اللصوص.

فمن يقام عليه الحد؟
هم الصغار من اللصوص وأصحاب الجنح مثل هذا الطفل (السماوي)، ولا نستغرب كيف أرتضى القاضي (المحترم) الحكم على الطفل وإعتباره لصا، لمدة سنة، لإخذه أربع علب كلينكس لا يتجاوز سعرها دولارا أو دولارين، بدون النظر لعمره وطفولته ومستقبله وطبيعة الجنحة وكونها الأولى له؟!
نحن ليس في زمن العجائب فقط بل في بلد الغرائب، ما دامت قراءة الواقع تجري بالمقلوب، ونحكم من خلال نص جامد ينتصر للسراق والنصابين والفاسدين الكبار.