المنبرالحر

عن مفهوم "الاحزاب الصغيرة" وما الى ذلك !/ يوسف أبو الفوز

في كل مجتمع تعتبر الاحزاب السياسية احد ظواهره الاساسية ، خصوصا المجتمعات الديمقراطية ، حيث يعتبر وجود الاحزاب وتعددها اساس العملية الديمقراطية ، واختلفت تعريفات مفهوم الحزب السياسي ، حسب المدارس والاتجاهات الفكرية ، فأذا تعتبر الماركسية ان لا وجود لحزب دون اساس طبقي فأن مدارس فكرية اخرى تجده تعبيرا عن ايمان جماعة بفكر معين ، وآخرون يرون في الحزب مجرد وسيلة للوصول الى السلطة، ولكن هذه المدارس جميعها لا تنكر اهمية الاحزاب السياسية ودورها في المجتمع . ولطالما توقفت متأملا، حين تصادفني في كتابات البعض من الصحفيين والكتاب العراقيين ــ وبعضهم من الاصدقاء ــ مصطلحات ومفاهيم تبدو مرتبكة لسبب ما ، وتحمل عدم الدقة في الاستخدام ، وربما تساهم في ارباك وتضليل بعض القراء ، مثل مصطلح "الاحزاب الصغيرة"، ومن خلال متابعة بسيطة نجد ان من يميل لاستخدام هذا المصطلح غالبيتهم من الكتاب الموالين بهذا الشكل أو ذاك لما يعتبرونه "الاحزاب الكبيرة ". وان كان البعض من الكتاب يستخدم هذا المصطلح كمفهوم دارج اعتادوا عليه، فأن البعض ــ ومع سبق الاصرارــ يستخدمونه بطريقة توحي بألاستخفاف والتقليل من شأن القوى السياسية الاخرى التي يظنون وحسب مواصفاتهم وحساباتهم انها "صغيرة"،  وبهذا فهم يحاولون نشر سياسة وفكر موال لاحزابهم والقوى التي يميلون لها ، والهدف من ذلك يكون التقليل من شأن الاطراف الاخرى .

أن الصغر والكبر هنا عند هؤلاء الكتاب ـ الحكوميين خاصة ـ يستند الى عدد المقاعد في البرلمان التي يشغلها هذا الحزب او ذاك ، او عدد الوزرات التي يشغلها حزبه أو الحزب الحليف ، متناسين ـ او جاهلين ! ـ ان من تعاريف السياسة كونها "كيفية توزيع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين" (ويكيبيديا، الموسوعة الحرة) وبالتالي فأن عالم السياسةفيه مصطلحات ومفاهيم اخرى يمكن استخدامها لوصف الاحزاب السياسية ، ومنها  مفهوم "الاحزاب المتنفذة"، والنفوذ هنا لا يأتي دلالة على  عمق التيار الفكري في المجتمع لهذه القوى ، والايمان بمبادئ ورسالة الحزب المسيطر على دفة الحكم او من يملك النفوذ ، فلقد كان حزب البعث العفلقي "حزبا كبيرا" لانه ادار شؤون العراق لاكثر من ثلاثين عاما ، ومعروف جدا للقاصي والداني من اين كان يستمد البعث العفلقي كل هذا النفوذ الذي بموجبه ارتكب ابشع الجرائم بحق ابناء الشعب العراقي بعربه وكرده وانتماءاته القومية الاخرى.

يفوت على من يستخدم ــ وبألحاح ـ مصطلح " الاحزاب الصغيرة "، ان في عالم السياسة تكون المفاهيم عادة متحركة ، شأنها شأن اشياء كثيرة في الحياة ، ومن يكون "كبيرا" يوما ما ، يمكن ان يكون "صغيرا" عندما تتغير عوامل وظروف خلق هذا النفوذ ، بل وقد يتلاشى ليكون "مجهريا " فيسكن كتب التأريخ فقط ، فالحزب النازي الالماني بقيادة أدولف هتلريمكن اعتباره من أكبر الاحزاب السياسية التي ظهرت في تأريخ اوربا ، فقد حكم ألمانيا في الفترة 1933 ـــ 1945، وثم من بعد غزو هتلر لبولندا في عام 1939 ، واندلاع الحرب العالمية الثانية، وحتى عام 1945 ، يخبرنا التأريخ ان هذا الحزب ــ الكبيرــ  حكم معظم قارة أوروبا ــ ما عدا بريطانيا ــ وأجزاء كبيرة من أفريقيا ودول شرق وجنوب شرق آسيا والدول المطلة على المحيط الهادي وثلث مساحة الاتحاد السوفياتي ، فأين هو الان ؟!

 لقد صار معروفا جيدا ان النفوذ السياسي في المجتمع في العراق ، الذي يحرك الكثير من الناس نحو صناديق الاقتراع ، ويجلب المزيد من المقاعد في مجلس النواب ومكاتب في وزارات سيادية ! ، يستند عند العديد من القوى السياسية الى عوامل طائفية وعشائرية واثنية ، يدعمها المال السياسي وايضا اساليب ملتوية من التضليل والترغيب والترهيب ، وكل هذا في عمر تأريخ الشعوب والسياسة يعتبر عوامل متحركة وزائلة . وان السياسة في تفاصيلها تحتمل الكثير من المفارقات التي يمكن التوقف عندها ، فلو اعتمدنا نسب التصويت في الانتخابات التي جرت في العراق ، خصوصا الاخيرة منها ، وبالطبع ضمن ذلك اقليم كردستان، لوجدنا ان نسبة لا يستهان بها من الناس لم تشترك في الانتخابات ــ في مصر يسمونهم حزب الكنبة ــ ، فتبعا للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات فى العراق فأن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في عموم البلاد التي جرت في السابع من اذار 2010  بلغت 62.40 في المائة ، وهؤلاء المواطنون الذين لم يشتركوا في الانتخابات لاسباب مختلفة ، لا صوت لهم ، وهم عمليا يعتبرون من "الاحزاب الكبيرة " ، لكنهم غير متنفذين وليس لهم وزارة سيادية ولا مقعد برلماني بأسمهم . ايضا ان قوانين الانتخابات، التي شرعها البرلمان العراقي في الثامن من تشرين الثاني 2009 ، سمحت لنواب من قوى متنفذه بدخول قبة البرلمان وشغل مقاعد فيه رغم انهم حصلوا على بضع مئات من الاصوات الانتخابية ، لكن غيرهم من احزاب " صغيرة " حصد الاف الاصوات لكنه لم يتمكن من شغل مقعده ، لان قانون الانتخابات الذي فصلته القوى المتنفذه وفقا لمصالحها منعت الاحزاب الصغيرة من دخول قبة البرلمان خوفا ان تكبر ! . ولابد من الاشارة الى ان مروجي مفهوم " الاحزاب الصغيرة " يتناسون لاسباب تخصهم ان ثمة تيارات فكرية عريقة في وجودها ضمن بنية المجتمع العراقي الفكرية والطبقية ، لم تنجح في دخول ممثليها لقبة البرلمان وفقا لمعادلات الصراع السياسي الحالية وطبيعة نظام المحاصصة الطائفية والاثنية والقوانين السائدة لكنها لم تزل راسخة في ضمير الناس لانها ولدت بينهم وعلى ارض العراق كحاجة فكرية وروحية ، وان تغيير العوامل ومعادلات العملية السياسية لابد ان يحرك الكثير من الناس ليقتربوا اكثر من هذه الاحزاب "الصغيرة" ليجعلوها أكبر وأكبر !

سماوة القطب /  8 أيلول 2013