الانتخابات العمالية حق مشروع لعمالنا وتنظيمهم النقابي / عدنان الصفار

أكدت الحركة النقابية العمالية العراقية منذ تأسيسها قبل أكثر من تسعة عقود على أن من أوليات أسس البناء النقابي الصحيح إشاعة الديمقراطية النقابية لإقامة التنظيم عليها. وهي تعني، قبل كل شيء، منح جماهير العمال جميعاً ودون استثناء، حرية التنظيم بالشكل الذي يختارونه وبمدى يستوعب كافة أبناء الطبقة، وضمان حرية الانتساب للمركز النقابي الذي يكسب ثقة العمال بالبذل والتضحية. كذلك ضمان حق الترشيح والانتخاب، لكل العمال وكافة الملاكات النقابية وفسح المجال للعمال الجديرين بها، وخلق ظروف من الطمأنينة والحرية لممارسة الفعاليات المشروعة من قبل جماهير العمال للتعبير عن الاحتجاج على التجاوزات والانتهاكات أو من أجل تثبيت مكاسب جديدة .
وتأسيساً على ذلك بدأت في الثامن عشر من اذار الجاري انتخابات الدورة الانتخابية الثالثة للاتحاد العام لنقابات عمال العراق في الفترة من 18 / 3 ولغاية 13 / 5 / 2017 في مختلف مواقع وقطاعات العمل (العام، الخاص، المختلط)، ابتداء من اللجان النقابية وصولاً إلى أعلى قياداته للنقابات الفرعية في المحافظات واتحادات المحافظات الأربعة عشر والنقابات العامة في بغداد . وذلك تأكيداً لما جاء به قانون العمل الجديد رقم 37 لسنة 2015 بشأن قيام التعددية النقابية وحق العمال في تأسيس نقاباتهم والانضمام إليها، استناداً للنظام الداخلي للاتحاد العام لنقابات عمال العراق .
فلكي تعيش الحركة النقابية معافاة وتستطيع النهوض بمهماتها الأساسية، يتعين على ملاكاتها أن تعتمد مبدأ القيادة الجماعية والديمقراطية المركزية. ذلك ان النقابة منظمة ديمقراطية تتسع صفوفها لكل من يرغب في الانخراط من العمال، وهي مدعوة للدفاع عن كل أفراد الطبقة العاملة نقابيين وغير نقابيين، ولا يجوز فرض الأسلوب الإداري على صعيد العمل النقابي او استخدام النفوذ أو اعتماد وسائل العنف بوجه العمال عند اتخاذ القرارات أو تنفيذها، أو تحديد موقف. وان لجوء أية هيئة الى هذه الأساليب وما شابهها هو دليل على ضعفها وافتقارها لمميزات القيادة الحقيقية.
ان الإقناع والحوار الخالي من التزمت والغرور هو اللغة الوحيدة التي يفهمها العمال ويستجيبون لها بملء رغبتهم. فالقرارات التي تتخذ على هذا الصعيد والمواقف التي تحدد بهذه الروحية تحمل من دوافع قوة التنفيذ أكثر بما لا يقاس من تلك التي تتخذ بصورة مرتجلة بمعزل عن العمال، وتحمل عيوب الآمرية والبيروقراطية. ولكل عامل نقابي الحق بان ينتخب ويرشح لأية هيئة نقابية أو ذات علاقة بالعمل النقابي دون أن توضع أمامه أية عقبة من قبل الهيئات العليا أو من قبل الفئات المتنفذة. ولكل عامل حق التظلم والاحتجاج وسحب الثقة من أي منتدب أو هيئة لا يطمئن الى قدرتها على تحمل المهمة المناطة بها. ولكل عامل الحق في ان يسهم بتحديد نهج النقابة ورسم أنظمتها الأساسية وطرائق العمل.
ويقع على عاتق الملاكات النقابية بالدرجة الرئيسة واجب العمل المخلص من اجل تثقيف جماهير العمال بأهم القضايا التي تتعلق بهم وبمصير بلادنا ورفع وعيهم الاجتماعي والسياسي واجتياز الواقع الراهن. وان أفضل وسائل التثقيف والتحريك وموادهما تكمن في ان تعنى الملاكات النقابة بتربية نفسها والتعود على العيش بين صفوف أفقر العمال، والاطلاع على مشاكلهم وآلامهم وضرب الأمثلة الحسنة في مجال التضحية والبذل، وتوفر الجرأة على النقد والنقد الذاتي وفضح النواقص والانتهاكات، وان تتعلم فن ربط القضايا اليومية بالقضايا الكبرى وتوجه كل مسار في النضال شطر ساحة الكفاح ضد الامبريالية والرجعية وتحقيق أهداف الشعب العامة .
ويذكر أن الاتحاد العام لنقابات عمال العراق كان قد عقد دورته الانتخابية الأولى في حزيران عام 2004 ، والدورة الثانية في أيلول عام 2012 بعد أن تأخر انعقادها بسبب التدخلات غير القانونية وغير المبررة من طرف بعض الجهات الحكومية، وبشكل خاص اللجنة الوزارية المشرفة على تنفيذ قرار مجلس الحكم الملغى رقم ( 3 ) لسنة 2004 وما آلت اليه أمور الحركة النقابية العمالية العراقية بسبب هذا التدخل .
ان إشاعة شرعية العمل الديمقراطي لكل جماهير الطبقة العاملة وحماية مقتضيات ممارسة الديمقراطية النقابية بشكلها الصحيح وما يتعلق بمسؤولية الحكومة في هذا الخصوص أيضا : الرجوع الى العمال وهيئاتهم المنتخبة عن كل المسائل ذات المساس بظروف العمل والإنتاج أو التي تتعلق بالحياة العامة والقدرة على المشاركة والتي برهنت الحياة على صحتها.
وهكذا يتوجب على الحكومة ، أية حكومة ، أن تجسد هذه القدرات فتعكسها في التشريعات وتصبها في حيز التطبيق بتعاملها مع الطبقة العاملة وتنظيمها، فتقر التطبيق الديمقراطي وتصون وسائلها من أي تجاوز وتزيل آثار العهود السابقة المترسبة في بعض أنظمة العمل والعلاقات الإنتاجية وأسلوب عمل الدوائر والإدارات والتظاهر والاجتماع وانتداب الوفود ..الخ.
ان هذه التطبيقات الديمقراطية هي افضل وسائل الرد على كل محاولات التجاوز على حقوق العمال المباشرة ومصالح بلادنا، كما انها تنبه الحكومة الى وجود مواطن الضعف وتشير الى عناصر الإهمال والتخريب حيثما وجدت. وان هذه التطبيقات تنعكس حتما على البلد بشكل ايجابي، فتنعش الديمقراطية العامة وتجر قطاعات شعبية واسعة وتزجها في معركة الحياة العامة وتخرج الجماهير الكادحة من العزلة واللاأبالية السياسية وتزجها في معركة الحياة العامة .
ان عمال العراق مدعوون للمشاركة الفاعلة في الدورة الجديدة للانتخابات، كي تكون عرساً عمالياً حقيقياً يؤكد دورهم ومساهمتهم في إعادة بناء بلادنا واقتصادها الوطني وصناعتها في القطاعين العام والخاص. وان المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات عمال العراق وبحكم مسؤوليته التنظيمية واستناداً للنظام الداخلي، يضع أمام الأخوة قيادات وكوادر اتحادنا العام برنامجه للفترة القادمة من أجل النهوض بواقع تنظيماتنا النقابية بما يتوافق وأهمية المرحلة المقبلة في مختلف مجالات عمل الاتحاد، بنقاباته العامة والاتحادات العمالية في المحافظات. وليكون البرنامج خطوة مهمة على طريق بناء التنظيم النقابي المعبر عن إرادة عمالنا ومشاركتهم الفاعلة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وللنهوض بواقع الطبقة العاملة وإعادة بناء اقتصادنا الوطني ومن اجل حياة حرة كريمة لوطننا وشعبنا