دور العراق في التوازن والاستقرار الاقليمي (1) / فارس كريم فارس

ان دور العراق ومستقبله السياسي يشكل عامل اساسي في التأثير على الاستقرار في الإقليم, والعلاقة بينهما هنا كما نفترض سببية, حيث دور العراق ومستقبله السياسي اذا كان ايجابي يكون الاستقرار في الاقليم ايجابي واذا كان سلبيا يكون الاستقرار الاقليمي سلبي, كما ان العلاقة بينهما طردية حيث كلما ازداد التفاؤل او التشاؤم في المستقبل السياسي للعراق ودوره الايجابي او السلبي في المنطقة يزداد بنفس الاتجاه الاستقرار او عدمه في الاقليم, اذن نحن امام عاملين رئيسي وثانوي وامام علاقة سببية طردية بينهما , وهذا لا ينفي انه بنفس الوقت يتأثر العراق بالتطورات الاقليمية وحتى الدولية, سلبا وايجابا بشان استقراره من عدمه.
ولا بد من التطرق اولا في بداية هذا المقال بشأن الدور الاقليمي للعراق, لمفهوم النظام الاقليمي, فهو بتعدد تعاريفه, يقصد به نظام التفاعلات الدولية في منطقة ما تحدد على اساس جغرافي او وجود عناصر التشابه الثقافي والاجتماعي والاقتصادي او يرتبط بوجود تفاعلات سياسية اقتصادية وثقافية واجتماعية بين دول الجوار وفيما بعضها البعض كما ان اشتراك هذه الدول بصفات ومميزات مشتركة تدفعها نحو التفاعل فيما بينها بانتظام عبر نمط من العلاقات والروابط بحيث يؤدي الى تغيير في بعض الاجزاء الى التأثر سلبا او ايجابا على الوحدات الاخرى , لذا يشكل النظام الاقليمي نظاما فرعيا ضمن اطار البيئة الخارجية التي يتكون منها النظام الدولي, فلذلك ان المقصود بالنظام الاقليمي هو "اسلوب للممارسة في التعامل بين الوحدات المختلفة التي تنتمي الى اقليم واحد" .
وبما ان العراق يقع ضمن دائرة النظام الاقليمي العربي ويشكل عنصرا اساسيا فيه كما انه يقع ايضا ضمن النظام الاقليمي الشرق اوسطي فكان لانهيار الدولة فيه اثر الاحتلال الامريكي له في 2003 وما تبعها من تطورات سياسية وتداعيات امنية كبيرة تمثل في مزيد من الاختراق لأمن النظام العربي: الاول عبر مصادر التهديد من داخل وحدات النظام وفيما بينها ( كتنامي ظاهرة الارهاب ومخاطر الحرب غير المتكافئة مع المنظمات الارهابية العقائدية وتهديد امن السلطة السياسية ومصدر هذا التهديد كما في حالة العراق منطق المحاصصة الطائفية والاثنية ,الشيعية والسنية والكردية الذي يعتبر مصدر تهديد كبير ايضا للأقطار الخليجية بالدرجة الاولى التي توجد فيها اقليات شيعية مقصيه عن السلطة, وكذلك مصدر تهديد لإيران وتركيا لوجود الاكراد فيهما), والثاني هو مصادر التهديد من خارج وحدات النظام المتمثل بالصعود الايراني والدور التركي والسعودي لسد الفراغ في التوازن الاستراتيجي الذي كان يمثله العراق في مواجهة هذه الدول بالإضافة الى اسرائيل وكذلك تعاظم هيمنة الولايات المتحدة على النظام العربي وفي المنطقة عموما.
فالعراق تحيط به معظم اطراف القوى الشرق اوسطية الفاعلة ويشكل مع ايران وتركيا ثلاثية اكبر القوميات فيه الفارسية, الطورانية, والعربية ممثلة بالعراق, كما انه يُعد مركز اشعاع ونقطة جذب لقومية رابعة كبيرة هي القومية الكردية, وما تمثله حقوق تلك القومية المهضومة من حالات تحول خطيرة على مستوى التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة, كما ان التماس الجغرافي للعراق مع دول الخليج العربي ودخول النفط العربي الاكثر تمركزا في دوله, كأهم مبررات التنافس الدولي, لذا فالأهمية الاستراتيجية وقوة تأثيره على وضع المنطقة واستقرارها في تزايد, وخاصة في الظرف الراهن حيث يمثل حائط صد لمنع ايران من التماس مع حلفائها في الغرب كسوريا ولبنان والمقاومة الفلسطينية حيث يشكل لأمريكا والغرب قيمة سوقية كبيرة لقطع اوصال ايران في نقاط ضعفها الاستراتيجي المتمثلة بالعامل الجيوآثني للقوميات الرئيسية فيه.
ان للعراق بحكم موقعه الجغرافي اساسا لدور متميز, هكذا اعطت الجغرافيا لهذا البلد ميزة وعبئا في آن, فالدور شان مغري في العلاقات الدولية, كلما تصاعدت قيمته تصاعدت المكانة السياسية للدولة المعنية, ألا انه عبء يفرض عليها تواتر دائم لإمكاناتها وتأهيل مستمر لها حتى تتكافأ مع متطلبات الدور السياسي من التزامات سياسية, وتنفيذا لأدوار مرسومة والحال ان العراق قد وقع في المأزقين, فأمام ميزات الدور توجد بيئة ترفع من اكلاف تطويعها, للبعض منها اجندة مختلفة نظرا للاختلاف القومي والمذهبي والسياسي (ايران) وللبعض الاخر ارتباطات سياسية دولية تجعلها تحصيل حاصل على امكانات وموارد خارج دائرة القياس للإمكانيات الذاتية(تركيا, مجلس التعاون الخليجي, امريكا).
وبما ان المدلول السياسي في العلاقات الدولية لمصطلح "عامل توازن" او "عنصر توازن" يعني امتلاك القابلية والقدرة على التأثير المباشر وغير المباشر في احداث حالة الاستقرار وجعل علاقات الدول في المحيط الاقليمي محملة باحتمالات التعاون والتفاهم اكثر من تحميلها باحتمالات التوتر والتنافس والصراع والصدام, فسيكون لدور العراق المستقبلي اثره الفاعل في عملية التوازن الاقليمي سلبا او ايجابا, حيث القوة والقدرة الكامنة لدى العراق من حيث العوامل الاقتصادية والعسكرية والجغرافية ممكن ان تلعب دور في احداث التفاهم والتعاون والاستقرار بين دول الاقليم الواحد او بالعكس كما حدث سابقا ( اثناء فترة الحكم الدكتاتوري السابق ) التنافس والصراع بين نفس الدول.
فالقوة بمختلف تعريفاتها ترتبط بالقدرة على التأثير في السلوك وبذلك يكون النظام الاقليمي هو حصيلة تلك التفاعلات والتوازنات لقدرة الحضور الفاعل والمؤثر للأطراف المكونة للنظام الاقليمي, لذلك ان الاخلال بقوة اي دولة في الدفاع عن وجودها وسيادتها داخل النظام الاقليمي يؤثر على التوازن الاقليمي وتبعا لذلك يفقد الاقليم استقراره, فالنظام الاقليمي المستقر هو ذلك النظام القائم على التوازن والتكافؤ مما يخلق حالة من التفاهم والتعاون في اطار مجموع دول الاقليم المتجاورة والغريبة عنها, والعكس صحيح, اي ان النظام الاقليمي غير المستقر هو ذلك الوضع الناتج عن غياب التوازن وبالتالي غياب التفاهم والتعاون والرغبة فيهما, ويتوقف على ذلك ايضا قوة ومتانة النظام الاقليمي او هشاشته اتجاه النظام الدولي والقوى الفعالة فيه, حيث يتحدد في هذا السياق انهيار او بناء الاستقرار الاقليمي .
ان دور العراق الاقليمي المستقبلي يحدده مجموعة العوامل والمتغيرات الداخلية والاقليمية والدولية وتفاعلاتها وتطور اتجاهاته سلبا او ايجابا, ويمكن طرح بعض التصورات المحتملة بصدد دور العراق اللاحق اقليميا كما يلي :-
أ‌- انعزال العراق عن محيطه الخارجي نتيجة الوضع المتدهور والرغبة بعدم الانشغال بقضايا اقليمية تستنزف موارد البلاد لصالح التركيز على الوحدة الوطنية, الا ان هذا الاحتمال يضعف امام الحقائق الاستراتيجية وشدة ضغط القضايا الاقليمية التي تدفع بالعراق الى ضرورة بلورة موقف ازاء البيئة الاقليمية وعدم الانعزال عنها.
ب‌- اعتماد العراق على موقف الاعتدال ألوسطي, وهو احتمال كذلك ضعيف, لكون القضايا الاقليمية جميعها مسيسة والاختلاف حولها شديد والعراق لا يستطيع حمل لواء الاعتدال في هكذا بيئة محملا اوسع من نطاق العلاقات الثنائية مع جيرانه, كما ان العراق جرى الاستثمار فيه من قبل قوى كبرى بموارد لا طائل لها وحياديته واعتداله سيدفعها الى ثنيه, وهي قادرة والعراق مخترق لا يستطيع المقاومة اذا ظل على وضعه الحالي.
ت‌- تبعية العراق الى الارادات الخارجية وجعله اداة لتنفيذ استراتيجية دول اخرى (امريكا او ايران) وبهذه الحالة سيكون اداة للمواجهة وساحة مفتوحة للصراعات الاقليمية والدولية.
ث‌- وعموما يتطلب الاستقرار الاقليمي في المستقبل, ان يكون دور العراق كموازن اقليمي وان يلعب دورا محايدا لدى القوى المتنافسة والمتصارعة في هذا المحيط, حتى وان لم يستطع حاليا للقيام بهذا الدور, فالعراق يشكل احد اهم مرتكزات الامن الاقليمي بل يصبح بذاته عامل التوازن الضروري, بدونه او بضعفه تشهد البيئة الاقليمية اخلالا بمعادلة الامن العربي والاقليمي.
حيث شكل غياب الدور العراقي بفعل الاحتلال وسياسة اضعافه اولى نتائجها السلبية على الامن الاقليمي والفوضى السائدة فيه, من حيث اختلال ميزان القوى لصالح ايران وتركيا واسرائيل وتنامي المنظمات الارهابية في المنطقة. ان استعادة العراق عافيته والحفاظ على وحدته الجيوبوليتكية هي ضرورة امنية واستراتيجية اقليمية فضلا عن ضرورتها الوطنية, ان مستقبل امن العراق واستقراره هو صورة للأمن والاستقرار في الاقليم مستقبلا. يتبع