دور العراق في التوازن والاستقرار الاقليمي (2) / فارس كريم فارس

ان دور العراق و الاحتمالات المستقبلية في وضعه السياسي, يمكن بحثها في اطارين بالنسبة الى اثرها في الاستقرار الاقليمي وهي: الاثر السلبي والاثر الايجابي وكما يلي:
اولا:- الاثر السلبي:-
1. ان يكون العراق دولة فاشلة اي لا تستطيع الدولة القيام بوظائفها الداخلية والخارجية بمعنى اخر دولة ضعيفة مهمشة ومخترقة من قبل الدول الاقليمية والعالمية, فالدولة الفاشلة هي الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها، ولا تستطيع حماية مواطنيها، وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثرة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير الخدمات لأبناء شعبها، فضلاً عن فشلها في التعامل بفاعلية مع المجتمع الدولي، وعادة ما تشهد معدلات فساد وجريمة مرتفعة.
2. ان يكون العراق دولة دكتاتورية دينية او علمانية, نظام سياسي دكتاتوري طائفي او عرقي, يقمع المختلفين معه مذهبيا وعرقيا ودينيا او ايديولوجيا فتسوده الصراعات والحروب الاهلية ويفتقد السلم الاهلي وتتناسل الجماعات المتطرفة المذهبية, فتتوقف عجلة التنمية ويسود الارهاب والفساد وتنعزل عن محيطها العربي وتصبح تابعة لتنفيذ استراتيجيات الدول الداعمة لها كإيران او السعودية وتركيا او امريكا مثلا, فتتحول الى ساحة للصراعات الاقليمية والدولية كما هو عليه الحال وبشكل صارخ في سوريا حاليا.
3. ان يقسم العراق الى ثلاث دويلات او اقاليم على اساس طائفي وعرقي, حيث تتكون ثلاث دول ضعيفة هامشية لا تنتهي خلافاتها وصراعاتها في داخلها وفيما بينها على تقسيم الارض ومعالجة الوضع الديموغرافي المختلط بممارسة التطهير كالقتل والتهجير. وتتبع كل دويلة اجندات اقليمية ودولية متصارعة ومختلفة اصلا, مثلا تبعية الدولة الشيعية في الجنوب لإيران والسنية في الغرب للسعودية والكردية في الشمال بين ايران وتركيا وهكذا تغور هذه الدويلات في حروب وصراعات داخلية واقليمية, قد تكون لها بداية ولكن ليس لها نهاية.
حيث "يزعم البعض ان العراق يجب ان يقسّم الى ثلاثة أقاليم عرقية طائفية لكي يضمن استقراره". لكن في هذه الحالة كيف سيتم حل قضايا الحدود والنفط والمياه؟ ففي الحقيقة ان هذه صيغة لتفاقم وإدامة الصراعات القائمة، ويمكن ان تؤدي الى إقليم سني فقير يهدد جيرانه مع صراع لا ينتهي بين المجموعات الراديكالية وأصحاب الأراضي وشيوخ العشائر؛ الإقليم الشيعي يمكن ان يصبح محمية إيرانية مع كون ثروته النفطية الهائلة مصدرا آخر للاستياء الذي يؤجج الانقسامات الطائفية؛ كما ستكون كردستان دولة مغلقة جغرافيا مع عدم قربها من البحر، وستعتمد جزء منها على تركيا والجزء الاخر على ايران.
وفي ظل هذه الاحتمالات التشاؤمية الثلاث, وتبعا لنتائجها المتوقعة, سيتسم اثرها السلبي في الواقع الاقليمي بصراع وتنافس اقليمي لا يهدأ, ويتواتر مع اصرار الاستراتيجيات المختلفة (الامريكية, الايرانية, السعودية والخليجية, التركية) لفرض اراداتها السياسية وتحقيق المكاسب وافشال مخططات خصومها في المنطقة, والساحة العراقية تبدو ساحة نموذجية لتحقيق اهدافها ومصالحها الاقليمية والدولية وعلى حساب الدماء العراقية.
فالدولة العراقية المنخورة من الداخل تشكل استقطابا لتدخلات اقليمية عميقة ومصدر لاضطرابات اقليمية اكبر, تتغذى فيها الطائفية في العراق على الطائفية بالمنطقة, والنتيجة الاكثر ترجيحا ستكون حريقا اقليميا هائلا.
كما ان العراق الضعيف الهش "كدولة فاشلة" لا يتيح له ان يقوم بدور اقليمي مستقل, وكعنصر توازن في الاقليم, فأما ان تنفرد ايران بالعلاقات العراقية وتنتفع بكل مزاياه, حيث استطاعت ايران من اختراق الحكومة الاتحادية ومؤسساتها, وتعمل بمشورتها ووصايتها قوى سياسية عديدة ومؤثرة داخل العملية السياسية في العراق, او تنجح الولايات المتحدة الامريكية في كسب العراق جانبها وهو احتمال قائم يركز على سعي الولايات المتحدة استكمال محاورها الاستراتيجية المستقبلية في السيطرة على الاقاليم المهمة في العالم, وفي كلتا الحالتين سيكون العراق اداة للمواجهة والتغيير السياسي في الاقليم بيد القوى الخارجية وبعيدا عن المصلحة الوطنية العليا, وهذا ما سينعكس سلبا على استقرار العراق والاستقرار الاقليمي.
ان نموذج المليشيات والفصائل المسلحة الارهابية والطائفية, التي نشأت بعد عام 2003 في العراق وتفاقمت تباعا حتى وصولنا الى ظاهرة داعش والمليشيات المسلحة خارج سلطة القانون والتي تسببت في عمليات التهجير والقتل والخطف المنظم والتطهير العراقي, يمكن ان تكون نموذجا للحرب غير ألمتكافئة, اي المليشيات التي تقود حربا منظمة ضد أنظمتها وتهدد بذلك السلم الاهلي والأمن ألوطني, كما يمكن ان يجيّر ذلك لصالح قوى اقليمية او دولية, فتمثل نموذجا لقوى التهديد المستقبلية لشل الاستقرار في دول المنطقة.
كما ان الاندفاع صوب التأسيس لنظم دينية سياسية, سيوفر ويعمق مشاكل اجتماعية سياسية اقتصادية خطيرة وستتزايد وفقا لذلك اعداد المستبعدين من السلطة وتزداد اعداد العاطلين عن العمل والمحبطين نفسيا, فيتفشى العنف ألمسلح وستواجه دول التغيير الشرق اوسطية اجيالا من الاسر المفككة, مما يؤزّم السلم الاهلي والأمن الوطني اكثر فأكثر, ويمكن ان يمثل النموذج العراقي في التفكيك والمشاغلة نجاحا كبيرا, لتدمير وتفكيك دول اخرى في المنطقة والعالم.
اما قيام نموذج الدولة الفدرالية القائم على الاساس العرقي والمذهبي, فيمكن ان يكون نموذجا فذا في القضاء على الدولة المركزية القوية القادرة على احياء التوازن الاقليمي, هذا النموذج الجديد من الدول الشرق اوسطية, سيتميز بصراع اثني طائفي يمتد بتداعياته بشكليه الافقي والعمودي على معظم الدول العربية ودول الجوار, وربما سيكون بداية سليمة لعمليات تقسيم جديدة, احياءا لفكرة تجزئ المجزأ على قاعدة سايكس- بيكوية جديدة, تعطي مكان متميز للخصوصيات القومية والطائفية, وهذا النموذج فذ في اضعاف قوى الاقليم الكلية لصالح القوى الدولية.
ان تقسيم العراق يستلزم تغييرا جوهريا في الوضع الجيو سياسي في المنطقة برمتها, حيث من غير الممكن ان يتوقف التقسيم ضمن الحدود العراقية فقط, ففي هذه الحالة وكاحتمال ممكن الحصول نتيجة الترابط التاريخي والاجتماعي والمذهبي والعرقي بين العراق واجزاء من الدول المجاورة, ستتأثر ايران وتركيا وسوريا من خلال وضع الاكراد فيها ونزوعهم للتوحد مع اخوانهم في الدول الاخرى, كما ان الامتداد المذهبي السني بين سوريا والعراق في الصحراء الغربية من العراق والمنطقة الشرقية من سوريا يمكن تشكل منطقة واحدة وعلى نفس المنوال الامتداد الشيعي في الجنوب مع الطائفة الشيعية في البحرين وشرق السعودية, ان اثر تقسيم العراق سيمزق منطقة الشرق الاوسط ويدمر النظام الاقليمي العربي والخليجي كذلك, ان العراق في حالة التقسيم على الاساس العرقي والمذهبي, سيسير بالإقليم نحو المجهول بل نحو الهاوية, والتقسيم بهذه الصورة باعتقادي ليس من مصلحة الجميع, عراقيا واقليميا ودوليا, على الاقل في الظروف الحالية وعلى المدى المستقبلي القريب.
ثانيا- الاثر الايجابي
ان اثر الاحتمال التفاؤلي لدور ومستقبل العراق السياسي سيكون هو الوحيد ايجابيا على الاستقرار الاقليمي, فان الاحتمال التفاؤلي يتلخص في الظروف الراهنة بحكومة شراكة شاملة تخدم العراقيين من جميع الخلفيات, وتوفر الدوافع لأهل السنة والاكراد والشيعة, لدعم الجهود من اجل استعادة المناطق المتبقية التي استولى عليها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) وايجاد مساومات لتقاسم السلطة والادارة, وقيام نظام سياسي ينبذ المحاصصة الطائفية والعرقية ويؤمن بالمواطنة وان تتخذ مجموعة من الاجراءات الآنية منها الاصلاحات الادارية والخدمية ومحاربة الفساد وتقديم رموزه للعدالة وتغيير قانون الانتخابات باتجاه تعزيز المشاركة لمختلف القوى وتمثيل نزيه لفئات الشعب, تعزيز المشاركة في اتخاذ القرارات والبدء بخطوات المصالحة السياسية والمجتمعية, الاهتمام بالمهجرين والمناطق المحررة واعادتهم بأسرع وقت, تعزيز وطنية الجيش والقوات المسلحة...الخ. واتخاذ مجموعة اخرى من الاجراءات الاستراتيجية السياسية والامنية والاقتصادية والخدمية, لكي تستطيع هذه الحكومة المركزية الاتحادية من ابقاء العراق متماسكا ولكن تحت شروط جديدة تقلل من المركزية المفرطة, اي يتطلب الانتقال من دولة مركزية للغاية الى دولة لا مركزية اتحادية وفقا للدستور, ان العراق المستقر والمتماسك والموحد داخليا, والمستقل وغير التابع اقليميا ودوليا, هو ضمانة لا ترقى اليها الشك في اثرها الايجابي على الاستقرار الاقليمي.
ان اتجاه العراقيين الى تعريف المصلحة الوطنية العراقية والتأصيل لمفهوم الوطنية العراقية مع الامكانات السياسية والموارد الكبيرة المؤهلة, من سيؤدي الى انضاج الدور العراقي في الاقليم, من حيث طبيعته ومستواه, اهدافه وادواته, ان فرصة واحتمال قيام عراق مدني ديمقراطي موحد ومستقل له اثر ايجابي في استقرار الاقليم, وهذه الفرصة ممكنة ومتاحة رغم الواقع المأساوي الحالي, حيث اذا توفرت الارادة السياسية للنخب السياسية العراقية لإنجاز جملة القضايا الآنية والاستراتيجية, التي تواجه التحديات وتتغلب على العيوب والاخطاء التي وقعت بها الحكومات السابقة, ان المساهمة في صياغة المستقبل هي اتخاذ اجراءات حالية لتحقيق اهداف مستقبلية والرؤية السياسية السليمة تلعب دور كبير في التأثير على القرارات الحالية التي يجب ان تتخذ لإصلاح وتغيير السلوك السياسي الطائفي الى سلوك سياسي وطني جامع وشامل, على السياسي الناجح الاجابة على السؤال المهم التالي, ما هي الخطوات التي يجب علينا اتباعها في الوقت الراهن, حتى نصل الى المستقبل الذي نرغب فيه؟ حيث التفكير بالمستقبل يصبح ذات اهمية فقط في حالة التركيز على الخطوات العملية لتحقيق الاهداف الآنية والبعيدة, التي تؤثر ايجابيا على الاستقرار الوطني وبالتالي الاقليمي.
ان احتمالية مستقبل سياسي وطني ديمقراطي لعراق موحد ومستقل, سيكون نموذج للتعاون الاقليمي وبناء السلام والاستقرار في الاقليم, حيث يسعى الى التسوية السلمية للقضايا المتنازع عليها مع دول الجوار (قضايا الحدود والمياه), يساهم في الاستقرار السياسي والامني, ويرفض التدخلات الخارجية, لا ينفذ دور الوكيل لأي قوى اخرى اقليمية او دولية, ويتبنى سياسات متجانسة وسليمة بشان الاقليات الدينية والعرقية, والتعاون الاقتصادي, والسياسات النفطية, والنزاعات الاقليمية, وتبني موقف حازم من سياسات الاصلاح السياسي الداخلي والعمل على ايجاد حالة توازن واستقرار اقليمي بين دول المنطقة. انتهى