الشيزوفرينيا القطرية في السياسة / زهير كاظم عبود

بافتتاح المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة تكون قطر أول دولة من دول الخليج تكشف علاقاتها السياسية والتجارية بدولة إسرائيل ، وعزز تلك العلاقة زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي شمعون بيريز الى الدوحة في العام 1996 ، وتم الترحيب بالسيد شمعون بيريز من قبل طاقم قناة الجزيرة القطرية ومن قبل القرضاوي الواعظ الديني الرسمي للحاكم القطري .
تطورت العلاقة التجارية في توقيع اتفاقية الغاز وبيعه الى إسرائيل ، ثم تم إنشاء بورصة الغاز القطري في إسرائيل ، وبذلك تكون قطر البلد العربي الأول الذي يكسر طوق المقاطعة العربية لإسرائيل ، ولم تكن تلك العلاقات سرية بل ان قطر تعمل على تمتين تلك العلاقة وتطويرها بما يخدم إسرائيل قبل ان يخدم قطر ، وتناقضا مع تلك العلاقة تمكنت قطر أن تمد جسورا مع التنظيمات الإسلامية المتطرفة في فلسطين ، وكان لها الدور البارز في العلاقة مع منظمة حماس ، وأصبحت الدوحة مركزا مهما من مراكز تنظيم الإخوان المسلمين والتنظيمات الدينية الإرهابية والسلفية المتطرفة ، وبذلت قطر جهودا وأموالا من اجل إمالة الجناح الإسلامي المتطرف في فلسطين ليقع في حبائل سياستها الملتوية في تخريب حياة الفلسطينيين وإحداث شروخ بين فصائل المقاومة .
يقول مؤلف كتاب (( قطر وإسرائيل- ملف العلاقات السرية )) الإسرائيلي سامي ريفيل الوزير المفوض بسفارة إسرائيل في العاصمة الفرنسية باريس والذي عمل في السابق مديرًا لمكتب مدير عام وزارة خارجية إسرائيل ومديرًا لمكتب المصالح بين البلدين في الدوحة خلال الفترة من عام 1996 إلى عام 1999، وهو من ابرز مهندسي التطبيع بين قطر وإسرائيل والكتاب صدر عن دار نشر جزيرة الورد بالقاهرة : انه من الصعوبة بمكان ترتيب العلاقات القطرية الإسرائيلية التي شارك فيها هو بنفسه لولا حكومة قطر التي ذللت كل الصعاب وحصل على تسهيلات كثيرة من مسؤولين قطريين كبار وشركات قطرية كبرى.
وقال أيضا ان الشيء الرئيسي لعلو شأن دولة قطر يعود إلى الدور التي تلعبه كجسر معلق بينها وبين إسرائيل، ملمحا إلى الدور الذي لعبته قطر في دعوة الكثير من الدول العربية سيما دول المغرب العربي على فتح العلاقات تجاه الدولة الإسرائيلية تحت مسميات تجارية علنية وسرية ، وبذلك تلعب قطر دور العراب الذي يمهد للعرب طريقة التعامل السياسي والتجاري مع دولة إسرائيل ومن ثم إزالة جميع العقبات التي تقف في طريق الاعتراف السياسي بها .
يذهب ريفيل في كتابه إلى الحديث عن تحريض قطري على السعودية والإمارات لدى دولة إسرائيل ،مستشهداً بالاتفاق القطري – “الإسرائيلي” لإقامة مزرعة حديثة تضم مصنعا لإنتاج الألبان والأجبان اعتمادا على أبحاث علمية تم تطويرها فى مزارع “إسرائيلية” في وادي عربة، لأجل منافسة منتجات السعودية والإمارات.
وتطورت تلك العلاقة بان تبرعت قطر بستة ملايين دولار لبناء مجمع رياضي في بلدة سخنين الإسرائيلية ، والقيام ببناء عدة مستعمرات اسرائيلية ، والقيام بالتطبيع الجوي .
وضمن ما كشف موقع ويكيليكس وثيقة تم نشرها من أن رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني أبلغ «إسرائيل» أن الدوحة تتبنى خطة لضرب استقرار مصر بعنف عن طريق التلاعب بمشاعر المصريين لإحداث الفوضى مستخدمًا قناة الجزيرة باعتبارها عنصرا محوريا لتنفيذ الخطة.
وأشار جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس إلى أن لديه 7 وثائق عن قطر نشر منها 5 وثائق وحجب وثيقتين، ويقال إن ذلك جاء بعدما تفاوضت قطر مع إدارة الموقع الذي طلب مبالغ ضخمة حتى لا يتم النشر لما تحويه من معلومات خطيرة عن لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين كانت في مجملها للتحريض ضد مصر، ويتردد كذلك إن الموقع حصل على الثمن من قطر.
ولم تتوقف المعلومات عند هذا الحد الذي يراه البعض بديهيا، لكن اللافت والمثير كذلك هو تأكيد الوثيقتين على جزئية تكليف بن جاسم، بعد اجتماعه بعدد من المسؤولين الإسرائيليين والأمريكان – للجزيرة ببث كل ما يزكي إشعال الفتنة في الشارع، وليس الأهم هو ما بين الشعب والنظام، لكن بين المصريين أنفسهم كشعب، ولتكتمل الصورة البارزة ذكرت الوثيقة أن توتر العلاقات مع الدوحة لأي نظام عربي سيجر عواصم هذا النظام أو ذاك لأزمة مخيفة، باعتبار أن النظام القطري يستخدم دائمًا قناة «الجزيرة» كعصا تصفية الحسابات مع خصومه، وهذه الوصفة نجحت أكثر من مرة في إشعال الجو العام في عدد كبير من البلدان العربية، مرورا بسوريا والعراق وليبيا واليمن ووصولا إلى دول مجلس التعاون الخليجي التي انتفضت مؤخرا ضد نظام الدوحة واتهمته بدعم قوى الإرهاب وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتمثل العلاقات القطرية الإسرائيلية أخطر علاقات القرن العشرين والكثير من العرب يتهمون قطر وتحديدًا قناة الجزيرة بلعب دور محوري لخدمة أهداف إسرائيل والولايات المتحدة للإضرار بالأمن القومي العربي وتخريبه.
ويعترف «ليئور بن دور» المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإسرائيلية أن هناك تعاونًا إعلاميًا مهمًا بين إسرائيل وقطر، وهو ما يتمثل في قناة الجزيرة التي تستضيف ليئور أو غيره من الدبلوماسيين الآخرين عبر شاشاتها، إضافة إلى تقديم الخارجية الإسرائيلية للتعاون اللازم الذي ترغب فيه القناة أو فريق مراسليها بإسرائيل مؤكدًا أن هناك تفاهمًا استراتيجيًا واسعًا بين الطرفين وأن هناك الكثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين إسرائيل وقطر في المنطقة.
ولم يكن بعيدا الدور القطري في تخريب مصر بدعم الجناح الارهابي من حزب الاخوان المسلمين للسيطرة على مقاليد الحكم ومن ثم توجيه السياسة المصرية بما يخدم التوجهات القطرية نحو اسرائيل ، وتجسد الموقف من خلال المواقف العدائية التي تكشفت ضد الشعب المصري ، كما كان لقطر دور بارز ومباشر في تسميم الحياة الليبية بعد التخلص من حكم القذافي ، والتوجه نحو تأسيس دولة مدنية يحكمها الدستور والقانون ، كما كان لقطر دور مباشرورئيسي في دعم التنظيمات الإرهابية في سوريا ومدها بالمال والسلاح ، وباشرت قطر بالتسابق مع دول وجهات اخرى لتدريب وتمويل التنظيمات الإرهابية في العراق ودعمها لوجستيا ، واوغلت بشكل غير مباشر في دماء العراقيين وساهمت في تخريب حياتهم ومستقبلهم .
لعبت قطر دورا كبيرا في بث الفوضى السياسية في العالم العربي، بعد تبنيها العلني لما سمي بثورات الربيع العربي التي تحولت إلى خريف إسلامي تحت وصاية قطرية، ولكن دورها المشبوه انكشف خاصة بعد فشلها في تحويل المنطقة إلى دول تخضع لسيطرة الإسلاميين المتطرفين ممن كانت تدعمهم، وهي التي كانت تراهن عليهم سياسيا.
وتلعب قطر دورا محوريا شاذا عن كل السياسات العربية هادفا الى تخريب ونسف كل التحولات التي تحدثها شعوب المنطقة ، وبهدف تمزيق كل البلدان التي تخطط لها ضمن مخططاتها ، وضمن كل هذه المعادلة فهناك من يقول بان قطر محمية امريكية خاضعة لضوابط العمل الاستخباري الأمريكي لا يمكن ان تخرج عن طوعها ، وليس قاعدة من قواعدها المتواجدة على الأرض والسيادة القطرية ، وهي في الوقت الذي تريد ان تناطح عدد من البلدان العربية بقرون من طين فأنها حين تعانق حماس تمد كلتا يديها لإسرائيل ، وفي الوقت الذي تعطي فتات المساعدات للشعب الفلسطيني فإنها تغدق بالمشاريع والمنح لإسرائيل .
وتلعب قطر دور الراعي لكل التنظيمات المتطرفة وتيارات الإسلام السياسي المتطرف والإرهابي في مصر وفلسطين وسوريا وليبيا وتونس ، وأخيرا دعم تنظيم داعش الإجرامي في العراق ورعايتها وتمويلها وتبنيها أمام أنظار الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة !!
وفي أحدث خبر عن قيام حكومة قطر بإقناع الفلسطينيين في غزة بشراء الطاقة الكهربائية من إسرائيل بدعم قطري لتسويق العلاقات وتطويع العقل الفلسطيني لقبول فكرة الدولة الإسرائيلية .
الازدواجية في معايير العمل السياسي ليست تخبطا ، والشيزوفرينيا التي تمارسها السلطة القطرية مرضا سيتحمل وزره القطريون بعد أن تتكسر القرون الطينية .
والخلاف الذي ظهر على السطح بين المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر واليمن من جهة وبين قطر من جهة اخرى لم يكن جديدا او وليد انفعال ، انما لم يعد من الممكن تحمله او القبول باخفائه ، فانكشف المستور ، وظهرت الاتهامات ، وتكشفت حقائق مساندة الارهاب تعرفها الأطراف المتنازعة ، ووصل الخلاف الى الأتهامات التي كالها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب لحكومة قطر من ان تتوقف وتكف عن مساندة الأرهاب والتطرف ، وامريكا هي الحامي والظهير لدولة قطر .
ولعل قائل يقول ان ثمة صحوة وتغيير في السياسة القطرية فتمد جسور علاقة مريبة مع ايران ومع العراق ، ولعل قائل يقول ان ثمة توافق بين مواقف الأمريكان الأخيرة في محاربة قوى الإرهاب في المنطقة مع مواقف المملكة العربية السعودية ومن يقف معها ، بل لعل قائل يقول أن سياسة التخريب والقتل والمنهج الدموي الذي تعتمده القوى التي تحركها قطر لم تجد نفعا ولم تثمر ، وانعكست سلبا على السياسة القطرية وسمعتها بين الدول كداعمة من دعائم الإرهاب في المنطقة ، فتقرر أن تتغير قواعد اللعبة، فتنقلب قطر على حلفائها في محاولة لمسح جرائمها من الذاكرة والتشويش على العقل العربي ومحاولة الضحك على الذقون ، غير ان الحسابات تشير الى المصالح الأمريكية التي يمكن ان تضحي بحكام قطر او بملوك السعودية حين تقرر المصالح ذلك .