حقوق الكورد الفيليين/ زهير كاظم عبود

تشكل قضية الحق والحقوق أسس يتم اعتمادها في الإثبات ، ويتم إنشاء القواعد القانونية عليها ، باعتبار أن القوانين مساندة للحق وحامية للحقوق ، واسترجاعا لما لحق مكون عزيز ومشرف من مكونات العراق من مظالم وتعسف وحيف كبير ، من خلال استباحته إنسانيا ووطنيا وشخصيا ، واعني بالذات ابناء الكورد الفيليين ، الذين عوملوا كأبناء قومية كوردية تارة ، وأبناء للمذهب الجعفري مرة أخرى ، غير انهم وفي كل الأحوال لم يتم إنصافهم ، وبقيت أنصاف الحلول تتداخل في قضية حقوقهم .
ومن الجدير بالإشارة أن إخلال الدولة بتعهداتها أمام مواطنيها يستلزم التزامها بالتعويض ، والإخلال من الشخص المعنوي يتحتم إلزامه بالتعويض بالنظر للإخلال الواقع في العقد الاجتماعي بين الدولة والفرد ، أو في الالتزام الذي قطعته الدولة على نفسها تجاه الأفراد ، مهما تبدلت السلطات والحكام ، حيث أن العلاقة تكون بين الدولة كشخص معنوي وبين المواطن المتضرر ، وحيث أن الشخص المعنوي هو شخص افتراضي فمن الطبيعي أن يصار الى إلزامه بالتعويض تبعا لذلك .
ووفقا لهذا فأن الدولة التي ترتكب الأفعال الإجرامية تجاه أبناء شعبها أو تجاه الغير تتحمل المسؤولية القانونية ما يلزمها بالتعويض والإقرار بما يرتبه القانون الدولي والوطني من تبعات تلك الأفعال .
سنوات عديدة عبرت باستحياء عالجت بعض صغير من مظالم الفيليين وتركت الباقي دون حل أو بصيص من أمل ، وبقي الفيليون مستمرين في رحلة التيه التي ما انفكوا يعبرون فيافيها ورمالها بالرغم من تغير الزمان والسلطات والحكام ، فلم تلق أملاكهم التي صودرت قرارا شجاعا يعيدها لهم بنفس القوة التي سلبتها ويسهل لهم امر استعادتها ، اسلموا أمرهم لله وبدأوا برحلة مراجعة الدوائر الرسمية والمنازعات العقارية ومن ثم المحاكم المدنية والمحامين لاستعادة حقوقهم وكأنهم يتنازعون فعلا على حق الملكية فيها مع غيرهم ، ولم يجدوا قرارا يعيد شبابهم وشيوخهم الى أعمالهم في الدوائر الرسمية التي انتزعوهم منها وتم تسفيرهم ورميهم على الحدود بسبب قوميتهم ومذهبهم ، ولا سهلت أمر إحالتهم على التقاعد واعتبرتهم مفصولين سياسيين كغيرهم ، فداروا بين أروقة اللجان حالهم كحال من سافر بإرادته طلبا للعيش بعد ان أضناه الحصار الجائر ، لم تميزهم الدولة التي بنوا أساسها بعرقهم وحملوا أثقالها فوق أكتافهم ، ورصفوا قواعدها بأجسادهم ، ولم تلتفت الحكومة الى الحالة القومية الجديدة لهم في سجلات الأحوال المدنية التي غيرتها السلطة الدكتاتورية فصارت عبئا جديدا يضاف فوق تلك الأعباء التي تراكمت فوق كاهلهم .
الابادة الجماعية التي مورست بحقهم والتي حلت بهم وان تم الاعتراف بها قانونيا ، واثبتتها قرارات المحكمة الجنائية العراقية العليا بتاريخ 29 تشرين الثاني 2010 ، إلا انها لم تحرك مجلس النواب ولا السلطات التنفيذية ليعيدوا من يسكن منهم في خيام اللجوء بإيران ، ولا التفتت الى من بقي منهم دون جنسية او مال او مستقبل ، ولامنح من تم تهجيره منهم امتيازا ولو معنويا يستذكر معه تشتت العائلة وضياع المستقبل ، لم يلتفت احد الى تلك الأسماء من الشباب التي اختفت عن الوجود نتيجة تجارب الطاغية الكيمياوية المتعمدة عليهم ، ولا الذين قضوا في الحجز بنقرة السلمان والقاعات المغلقة في السجون الاخرى ، وبقيت عيون امهاتهم شاخصة ودامعة تنتظر خبرا منهم دون جدوى ، تناساهم السياسيون بعد ان جلسوا فوق كراسيهم وتسلموا مناصبهم ، بعد ان كان الفيليون أعمدة الكراسي ووقود المناصب ، بعثرتهم السياسة فصيرتهم احزاب وقبائل ومذاهب وعشائر ، وصاروا ورقة رابحة تلعب بها الأحزاب والشخصيات التي تسعى لمنفعتها .
حين قامت السلطات الصدامية بتسفيرهم بزعم تبعيتهم الى ايران فانها صادرت ممتلكاتهم الشخصية بالإضافة الى حجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة ، فتم إعدامهم معنويا ، وقامت أجهزة الأمن ببيع ممتلكاتهم وأغراضهم البيتية والشخصية وقيدتها ايرادا الى خزينة الدولة العراقية ، قامت ببيع جميع ما ضمته منازلهم من ممتلكات مادية ، وتم تثبيت تلك الوقائع ضمن السجلات الرسمية ، وتم تقييد الإيرادات في خزائن المحافظات لحساب الخزينة المركزية ، والدولة العراقية كما نعرف شخصية معنوية ، وهذه الشخصية تسري عليها القوانين والتعليمات ، والملكية الخاصة كما يقول الدستور مصانة ، ولا يجوز نزعها عن المالك الا لاغراض المنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفق القانون ، ووفق الاضرار الفادحة المادية والمعنوية التي لحقت بعموم الفيليين ، فأن الدولة العراقية ارتكبت بحقهم عملا غير مشروع ، وتسببت بضررا جسيما يستوجب التعويض المادي والمعنوي ، وهي بحكم الغاصب للمال ، والقانون يستوجب أن يتم تضمين الغاصب أذا تم استهلاك المال المغصوب أو إتلافه أو تعديه ، وهذا التضمين يكون عن طريق التعويض العادل ، وحيث ان جميع القرائن القانونية تؤكد مسؤولية الدولة ، وهذه القرائن التي تغني عن اي دليل أخر اقترنت بأحكام قضائية مفصلة باتة وملزمة ، فتقع على عاتق الحكومة أن تضمن التعويض .
وبالنظر للوضع الاقتصادي الحالي الذي تمر به الحكومة العراقية ، فلا نرى بأسا من الشروع بحسم قضية التعويضات لكل من لحقهم الضرر من أبناء الفيليين وأن يتم التعويض الفعلي حين تنتهي الأزمة الاقتصادية في أقرب وقت ، فقضية الحقوق لايتم غلقها او نسيانها ، كما لا تتقادم مع مرور الزمن .
ان النخب الواعية من أبناء الكورد الفيليين ومعهم كل الأصدقاء والمؤازرين لقضية الفيليين مدعوين اليوم لتفعيل دور ومهمة الفيليين ، والسعي الجاد والمخلص ليأخذوا حقوقهم التي يستحقونها او على الأقل الحد الأدنى مما يتيحه لهم العطاء والنضال والتضحيات التي قدمتها هذه الشريحة لكل العراق ، وكل صاحب وجدان او ضمير حي مدعو أيضا لمساندتهم والتمسك بحقوقهم ، وعدم السكوت على هذا التهميش الذي لم تلقاه شريحة مثلهم ، ولا صبرت على الضيم والصمت الذي واجهتهم به السلطة منذ التغيير حتى اليوم .