اللينينية حاضرة في فكر وتنظيم واستراتيجيات الاحزاب الشيوعية (1-2) / فلاح علي

ظهرت في الفترة الاخيرة بعض الكتابات تزعم ان الاحزاب الشيوعية ومنها الحزب الشيوعي العراقي طلق اللينينية ، بدون تقديم اية معطيات ، وكأن اللينينية مختزلة برفع شعار دكتاتورية البروليتاريا فقط . اني ارى ان دروس التجارب الثورية المستخلصة ومنها دراسة التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي وبلدان اوربا الشرقية ، والمواقف الفكرية للأحزاب الشيوعية وبنائها التنظيمي واستراتيجياتها ، والقراءة الدقيقة لواقع كل بلد ووضع مهام نضالية تتناسب وظروف البلد ، والتشخيص الدقيق لما يمر به العالم اليوم من احداث وتطورات . هذه وغيرها تؤكد على حقيقة ان اللينينية حاضرة اليوم في حياة ونشاط العديد من الاحزاب الشيوعية ، وهي كانت ولا تزال نظرية علمية اسهمت بشكل كبير في تطوير الماركسية في القرن العشرين ، وتأسست الاحزاب الشيوعية في العالم على اساس هذا الترابط والتواصل واصبحت كلا النظريتين يمثلان المرجع الفكري والتنظيمي والمرشد في العمل والنشاط. ان الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه تبنى الماركسية اللينينية .ان الدفاع عن التاريخ السياسي للحزب الشيوعي العراقي ونضاله الوطني والاممي هو من وجهة نظري يعد دفاعاً عن الماركسية واللينينية ، ان فكر لينين لا يزال حياً حاضراً وهذا هو اهم سمة من سمات اللينينية انها نظرية علمية جامعة لعلوم عدة ومرتكزه عليها .
ان الدفاع عن اللينينية اليوم ليس بأمر صعب :
ولكن هذا من وجهة نظري يتطلب اولاً الفصل بينها وبين الستالينية . اني ليس معادياً لستالين او معادياً للستالينية وانما منتقداً لنهج ستالين ، من خلال قراءتي لتأريخ الحزب الشيوعي الروسي والسوفيتيي لاحقاً وجدت ان ستالين ارتكب اخطاء من هنا يأتي النقد . في الوقت الذي كان لينين يطالب بالمزيد من الديمقراطية في التنظيم ومزيد من الديمقراطية في الدولة والمجتمع وهذا حسب راي لينين يعني مزيد من الاشتراكية ، نجد ان الستالينية لجأت منذ عام 1927 الى الأوامرية والبيروقراطية في الدولة والمجتمع وفي حياة الحزب وصادرت الديمقراطية ورسخت الدكتاتورية البيروقراطية وشوهت مبدأ دكتاتورية البروليتاريا الذي هو الاكثر ديمقراطية . الستالينية حرفت الرؤية اللينينية لبناء الاشتراكية ولجأت ليس فقط الى الاوامر الادارية في المجال الاقتصادي وبناء الاشتراكية وانما الى استخدام اساليب العنف والاكراه في تطبيق نهجها المشوه للاشتراكية والديمقراطية . وعلى سبيل المثال ( بقرار اداري في عام 1928 امم ستالين الانتاج البضاعي الصغير ) في حين كان يؤكد لينين في سياسة النيب ان الانتاج البضاعي الصغير لا يمكن تأميمه لأنه يمس مصالح ملايين الناس وهو يزول لاحقاً بالقناعة وبالإنتاج الكبير .النتيجة كانت ظهور مزيداً من البيروقراطية والعنف والترهيب والاكراه وتغليب المركزية على الديمقراطية في حياة الحزب الداخلية واشاع عبادة الفرد . وهذه وغيرها من الاخطاء كانت هدية قدمها ستالين للقوى المعادية للاشتراكية حيث لعبت وسائل الاعلام وبالذات الامبريالية في تبشيع الاشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا امام شعوب العالم اجمع وصورتها ثورة دموية واللينينية من هذه الممارسات براء . ( ملاحظة هذا لا ينفي دور ستالين والجيش الاحمر في الانتصار في الحرب العالمية الثانية ) لكن الستالينية شوهت الاشتراكية و شجعت على ظهور نماذج مشوهه او مزورة للاشتراكية في بعض بلدان اوربا الشرقية وهذا مما دفع الصين والبانيا ورومانيا ويوغسلافيا لاحقاً وغيرهما من البلدان الاوربية الى تبني الطريق الخاص لبناء الاشتراكية والذي يناسب ظروف كل بلد، وهذا لا ينفي دور خروتشوف اللاحق السلبي حيث ارتكب اخطاء كثيرة في بناء الاشتراكية ودوره السلبي ايضاً على الصعيد العالمي والاضرار التي لحقت بالأحزاب الشيوعية من سياسته ونهجة البعيد عن اللينينية ، ثم جاءت مرحلة الركود في عهد بريجنيف وكانت لها اضرار كبيرة على الاقتصاد والعلم والمعرفة والتكنولوجيا والاعلام والسياسة والنتاج الفكري ..... الخ الى ان انتهت التجربة في مرحلة غورباتشوف . هنالك اليوم الكثير من المعطيات التي تؤكد ان العديد من الاحزاب الشيوعية لم تطلق اللينينية بعد كما ادعت بعض هذه الكتابات .
من المعطيات التي تؤكد حضور اللينينية في حياة ونشاط الاحزاب الشيوعية :
بلا شك ان هذه المعطيات هي حقائق ملموسة لن تؤكد فقط على صحة الفكر اللينيني و حضوره اليوم في الممارسة في حياة ونشاط الاحزاب الشيوعية ، وانما تبرهن على انه فكر ديمقراطي بحق ، ولكن بلا شك خضع للتشويه . ومن هذه المعطيات هي نتاجات لينين الفكرية التي مثلت تطويراً للماركسية في مرحلة الامبريالية ، والتي هي اليوم تعد مرتكزاً فكرياً وسياسياً وتنظيمياً لنشاط الاحزاب الشيوعية ونضالاتها وتحديد مهامها . رغم عدم الاشارة الى اللينينية في الانظمة الداخلية وبرامج الاحزاب الشيوعية ، علماً اني مع عدم الاشارة لها نظراً للتغيرات التي حصلت في العالم وصعود قوى متطرفة من الاسلام السياسي وللتشوية الكبير الذي تعرضت له اللينينية ومبادئها هذا اولاً وثانياً نظراً للأخطاء الكبيرة في الممارسة لمبدأ دكتاتورية البروليتاريا .وثالثاً بسبب البيروقراطية وتدني الوعي الفكري لبعض القيادات في هذا الحزب ام ذاك ادى الى خلل كبير في تطبيق مبدأ المركزية الديمقراطية في التنظيم فكانت الغلبة في ظروف ما وخاصة في ظروف العمل السري وغيرها للمركزية على حساب الديمقراطية الداخلية . ان الحزب الشيوعي العراقي درس تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي وتفككه ودرس تجارب بلدان اوربا الشرقية ( في وثيقة خيارنا الاشتراكي التي اقرها المؤتمر الوطني الثامن للحزب ) لم تخطأ الدراسة فكر لينين لا بل اكدت على ديمقراطيته واشارت الى الاخطاء في بناء التجربة للمراحل اللاحقة ما بعد لينين واستخلصت دروس منها، ولكن هنالك العديد من الاحزاب الشيوعية لم تتوقف بعد عند هذه التجربة ولم تنشر دروسها واستنتاجاتها .
من اهم نتاجات لينين الفكرية :
ان نتاجات لينين الفكرية الهامة التي تعد تطويراً للماركسية في مرحلة الإمبريالية وردت في عشرات المؤلفات التي انتجها لينين ومن هذه المؤلفات على سبيل المثال هي :الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية ، وكتاب تطور الرأسمالية في روسيا وكتاب الرأسمالية في الزراعة ونظرية لينين عن بناء الحزب ( كتاب ما العمل ) الذي يتضمن خطة لينين لتأسيس الحزب ، وكراس عمل الحزب بين الجماهير وكراس عن التحرر الوطني والاجتماعي وكراس في الاممية البروليتاريا وكتاب الدولة والثورة وكتاب المادية والمذهب النقدي التجريبي وكتاب خطوة الى الامام وخطوتان الى الوراء وكراس مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية ..... الخ . اضافة الى عشرات الكتب والكراريس والمقالات والرسائل .
لأجل عكس بعض الامثلة الملموسة كمعطيات والتي تؤكد على حضور اللينينية اليوم في حياة ونشاط الاحزاب الشيوعية لا بد من الاشارة لبعض من هذه المعطيات الواردة في الكثير من المؤلفات ومنها على سبيل المثال :
الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية : شرح فيه لينين (اسباب الحروب الامبريالية وتوقف عند الحرب العالمية الاولى . ووضع تعريفاً للإمبريالية التي عبر عنها انها تمثل السيطرة والهيمنة للاحتكار وراس المال الاقتصادي ، وانها تعمل على تقسيم العالم بين الاحتكارات الرأسمالية واشار الى اهم خطر لها هو اندماج راس المال المصرفي بالرأسمال الصناعي وينتج عن ذلك راس مال مالي حيث يحصل تركيز للإنتاج وراس المال وتنشأ الاحتكارات للهيمنة على بلدان العالم وتقسيمه فيما بينها ) هذا مقتطف من الكتاب ووقائع احداث العالم اليوم تؤكد على صحة استنتاجات لينين عن الامبريالية ، حيث نحن شهود على ما حصل و يحصل في العالم في ظل العولمة الرأسمالية المتوحشة وتوسيع وتمدد احتكاراتها وهيمنتها على الاقتصاد العالمي واستحواذها على ثروات الشعوب وجني مزيداً من الارباح ، ( وانتجت لهذه البلدان الفقر والجوع والامية والامراض والارتهان لصندوق النقد الدولي ومؤسسات العولمة الاخرى ) ، وخلقت الاحتكارات لها ركائز محلية بما فيها احزاب وشخصيات في الدولة والمجتمع تنتفع من العولمة وتخدم مصالح الاحتكارات الاقتصادية والسياسية في البلد والمنطقة ، وهذا هو الحاصل اليوم من تحالفات بين الامبريالية وقوى متنفذة في دول المنطقة من جانب ومع بعض احزاب الاسلام السياسي وغيرها كما حصل مع الاخوان المسلمين في مصر وغيرهم من البلدان، اذن الامبريالية الامريكية وسياساتها واحتكاراتها مهيمنة على بلدان عدة في العالم وعلى اقتصادياتها ، وخطرها قائم بما فيها خطر الحروب وتوسع الناتو. لذا ان كتابات لينين عن الامبريالية تحظى اليوم بأهمية كبيرة واستثنائية اكثر من اي وقت مضى .
من هذا نرى اليوم الاحزاب الشيوعية واليسارية تقف في مقدمة القوى المناهضة للإمبريالية و للعولمة الرأسمالية المتوحشة ومعها راي عام عالمي واسع متمثل في القوى المناهضة للإمبريالية والعولمة . هذا اولاً وثانياً ان الاحزاب الشيوعية تعارض بقوة الحروب والاحتلال وانتهاك استقلال الدول والتدخل في شؤونها الداخلية التي تلجأ لها الامبريالية اليوم والتي تعتبر نهب الثروات والهيمنة على اقتصاديات العالم والتدخل في الشؤون الداخلية والحروب الاهلية والخارجية انها تمثل جزء من استمرار دورة حياتها والتنفيس عن ازماتها ، وثالثا : لا تزال الاحزاب الشيوعية وبالذات في منطقة الشرق الاوسط ومنها الحزب الشيوعي العراقي ترفع شعار يا عمال العالم اتحدوا ، ارتباطاً بالجوهر النضالي الطبقي لهذا الشعار ومهامه ، الذي كتبه وتبناه ماركس وانجلس في البيان الشيوعي وهو في الواقع يمثل جوهر الاممية البروليتاريا بكل وضوح وشفافية ودقة ، والذي رسخه لينين في الممارسة واعطاه بعداً نضالياً اوسع ذو محتوى ومضمون ديمقراطي تجسد بشعار التضامن الاممي .الاحزاب الشيوعية في الممارسة هي تتمسك بهذا النهج اللينيني وحاجتها اليوم للتضامن الاممي كبيرة جداً اكثر من اي وقت مضى . وهنالك حقيقة ان نتاجات لينين الفكرية مرتبطة بالواقع الذي تعيشه شعوب كوكبنا اليوم ، بغض النظر عن زمان ومكان كتابتها . وما النضال من اجل ضمان الحقوق والحريات وبناء دولة المؤسسات الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية .... الخ على الصعيد الوطني والنضال والتضامن ضد الحروب والاحتلال والعولمة الرأسمالية المتوحشة الا تجسيد لهذا الترابط في الفكر اللينيني الديمقراطي .التظاهرات التي جرت في القرن الواحد والعشرين في بلدان عدة في اوربا وبلدان اخرى هو في الممارسة تأكيد على ان الصراع ضد الامبريالية والعولمة قائم وهذا مبدأ لينيني بلا شك ذو محتوى وطابع اممي .
يتبع