رسالة الى السيد رئيس الوزراء العراقي المحترم / فلاح علي

السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي المحترم
تحية عراقية
في البدء لا بد من الاشارة الى ظروف تسلمك لرئاسة الوزراء والتي رافقتها أولاً : اجواء من الرفض الواسع للولاية الثالثة للسيد المالكي . وثانياً : تعرض العراق في ظل الولاية الثانية لظروف خطيرة حيث داعش قد استولت على الموصل ومدن اخرى وبات الخطر يهدد بغداد وكل العراق ، وتفاقم ازمات البلد الحادة والمعقدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والثقافية والامنية .مع افلاس خزينة الدولة وانخفاض اسعار النفط ،وثالثاً :الصراع الطائفي السياسي كان على اشده وخطابه المليئ بالكراهية المقيته هو المهيمن على الشارع العراقي اضافة لمخاطر اخرى كانت تهدد الوطن. في ظل هذه الظروف الصعبة والخطيرة التي سادت آنذاك استلمت رئاسة الوزراء . أنهيت العام الاول في رئاستك لمجلس الوزراء من آب 2014 في مواجهة تنظيم داعش وهذه تحسب لك . الا انه لوحظ خلال العام الاول لم تبذل الكثير لتصحيح الاوضاع في العراق وحل الازمات وتوفير الخدمات ومحاربة الفساد ولكن ما أظهرته في الاعلام من اعتدال اسهم من تخفيف حدة الخطاب السياسي الطائفي ، ورافق ذلك انفتاح في علاقات العراق في محيطة العربي والاقلميمي خفف من العزله و الشحن الطائفي في البلد .
الحراك الجماهيري الذي تصاعد في السنه الثانية من توليك لرئاسة الوزراء قد أثر فيك وأرى من وجهة نظري انه قد حرك شيئ ما عندكم وربما اعطاك تصور ان هذه التظاهرات تمثل فرصة لم تتكرر لتساعدك في تصحيح الاوضاع وانقاذ البلد من محنته. لا سيما كان للجماهير موقف ايجابي منك ودعمتك بكل قوة حتى قدمتك كرجل للاصلاح و للتغيير القادم ، ورافق هذا الدعم الجماهيري دعم المرجعية الدينية لكم . بدأت خطواتك الاولى بأجراءات سميت اصلاحات بألغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء وتغيير وزراء وتقليص الكابينة الوزارية بدمج وزارات ، وقرارات اخرى لا تمس جوهر المحاصصة الطائفية ومحاربة الفساد . ودعمتك الجماهير بكل قوة لكن المفاجئ هو ان اصلاحاتك قد توقفت عند هذه الحدود .ولأسباب عدة منعتك من مواصلة عملية الاصلاح ، ولكن لا احد يعرف هل اردت ان تنهي التظاهرات بهذه الاصلاحات الغير جوهرية ؟ موقف الحراك الجماهيري كان واضحاً حيث ردت عليك الجماهير بالمضي بالاصلاح ومحاربة الفساد وبعد ان توقفت عن اجراء الاصلاح والتغيير اعتبر الحراك الجماهيري خطواتك بأنها ترقيعية وتغض النظر عن عملية الاصلاح والتغيير .
السيد رئيس الوزراء المحترم
لم تؤثر فيك لا التظاهرات ولا موقف المرجعية الدينية :
رغم ارتفاع سقف التظاهرات واتساعها والدعم المقدم لك من الحراك الجماهيري ورغم دعم المرجعية الواضح لشعارات التظاهرات ولكم الا انك لم تذهب بأبعد من هذه الخطوات الترقيعية التي جرى الالتفاف عليها لاحقاً ، وانك لم تمضي في عملية مكافحة الفساد وكشف المفسدين لأنك تعلم جيداً لن تستطيع القيام بذلك بسبب وجود مراكز القوى وانت محسوب على احد هذه المراكز ووجود الميليشيات وعصابات المافية والتي هي أذرع مسلحة لهذه المراكز ومرتبطة بأجندات اقليمية وانت تعرف ذلك جيداً ، ان الدخول في صراع معها اما ان يؤدي الى عزلك عن الحكم او تصفيتك وهذا خوف وخلل ذاتي واضح فضلت فيه منصب رئيس الوزراء على الاصلاح والتغيير وعلى مصالح الشعب والوطن وأعطيت الاولوية للمصالح الذاتية الفئوية لكتل المحاصصة الطائفية والاثنية مع ابقاء حالة التوازن قائمة بين هذه الكتل المتحاصصة . ومع ذلك بقت البلاد تمزقها الازمات المعقدة حكومتك كانت عاجزة على حلها وعلى سبيل المثال الازمة الاقتصادية حيث كبلتم البلد بديون اضافية بتوجهكم الى صندوق النقد الدولي واستلمتم القروض بشروط مع تصفيرالرصيد الاحتياطي النقدي للبلاد . واصبحت الحكومة عاجزة حتى على دفع الديون مع انخفاض اسعار النفط . وهذا مما زاد من معانات معيشة الناس فتصاعدت نقمتهم على احزاب الاسلام السياسي وعلى كل اقطاب نظام المحاصصة الطائفية والاثنية التي فشلت في حكم البلاد .
السيد رئيس الوزراء المحترم :
هل تعلم ان السبب في عجزكم على حل ازمات البلد والتوقف عن مواصلة الاصلاح والتغيير يكمن في انكم جزء من مطبخ المحاصصة الطائفية والاثنية المقيته وتحتل موقع عضو قيادي في حزب الدعوة الذي هو احد اقطاب المحاصصة الطائفية. والذي حكم العراق منذ قرابة الاثني عشر عاما امتدادا لحكم السيدين الجعفري والمالكي وانتهاءً بشخصكم ، ومع انك تعرف بشكل جيد ما هي الاسباب الحقيقية لفشل رؤساء الوزراء من الاسلام السياسي في نظام المحاصصة في حكم العراق لكنك لا تستطيع التعامل مع الاسباب لأنها تمس مصالح حزبك اولاً وتحالفاتة الطائفية لهذا تميزت بشكل اكثر ذكاء من الرؤساء السابقين لمجلس الوزراء من حزبك حيث مارست خطابا سياسيا معتدلا بعيدا عن الطائفية بهذا الشكل او ذاك وأجدت التعامل مع بعض النتائج من منطلق كسب ود الكتل الاخرى وتخفيف الضغط الاعلامي ولأعطاء صورة الاعتدال . وكانت تصب في صالحك واصبحت اكثر مقبولية من قبل الكتل المتحاصصة لسبب واضح انك كنت تحافظ على التوازن في نظام المحاصصة الطائفية من جانب ولم تغضب اي من هذه الكتل المتحاصصة من جانب آخر . لأنك كنت غير قادر على تغيير ما يسمى قواعد اللعبة او آليات اللعبة فأبقيت على جوهر نظام المحاصصة الطائفية والاثنية لأجل إبقاء حالة التوازن قائمة والحفاظ على مصالح المتحاصصون وهذا هو السر في توقف اجراءاتك الاصلاحية . وما يؤكد ذلك لوحظ ان سلوكك السياسي والممارسات العملية تحولت الى الضد من وجهة الاصلاح والتغيير لأنه في الممارسة كان همك الوحيدهو الابقاء على حالة التوازن مع ضمان مصالح هذه الكتل المتحاصصة لأن هذه المحاصصة هي التي فرزتك كرئيس لوزراء العراق .
السيد رئيس الوزراء المحترم
اين يكمن ترددك ؟ أرى انه يكمن في عدد من المؤشرات ومنها :
المؤشر الاول هو انك في الممارسة العملية تضع مصالح حزبك في المقدمة وهذا مثلب كبير عليك وعلى حزبك وعلى وطنيتك . وثانياً تتعامل بضعف مع رئيس حزبك في الوقت الذي انت تمثل فيه موقع رئاسة وزراء العراق . رئيس حزبك بعد عودته كنائب لرئيس الجمهورية بدأ يستعرض قوته اعلامياً من خلال التصريحات والمواقف والزيارات في الداخل والخارج وآخرها الزيارة الى روسيا . ويفاوض ويطرح وجهات نظره بمستقبل العراق السياسي ، رغم انه بلا صلاحيات دستورية وكأنك خارج اللعبة وغير معني بالامر وهذا تهميش لك كرئيس للوزراء. لكنه في الواقع انت تعلم ان هذا يمثل استعراضا لقوة حزبك لا سيما وان الانتخابات على الابواب في الوقت الذي تمثل فيه رئيس وزراء يتطلب منك المنصب مواقف مسؤولة وتضع مصالح الوطن والشعب فوق مصالح الحزب وتحالفة الطائفي . المؤشر الثالث : انك لا تمتلك الجرأة من المضي في طريق الاصلاح والتغيير حيث لن تتمكن الى اليوم من ايجاد حل لكثير من الملفات كملف الخدمات وملف تطوير اقتصاد الدولة بشقية الصناعي والزراعي وكذلك الملف الامني وملف الفساد ..... الخ رغم امتلاكك للصلاحيات المثبتة في الدستور وبيدك قوة الدولة وهيبتها لكن غياب الجرأة والاقدام يؤكد انك جزء من آليات حكم المحاصصة الطائفية والاثنية. صحيح ان محاربة داعش والارهاب هي قضية اولوية مركزية وتكللت الحرب على داعش بالنجاح في تحرير الموصل وعدد من مدن العراق وهذا النجاح يسجل لكم وللجيش العراقي الباسل والقوى الامنية والحشد الشعبي والبيشمركًا وكل التشكيلات العسكرية الاخرى ، لكن مع هذه النجاحات العسكرية تبقى حاجة الشعب والوطن لأصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية وثقافية وانهاء المحاصصة الطائفية وتعزيزمؤسسات الدولة الديمقراطية الاتحادية. المؤشر الرابع : بقي الجانب الامني منفلتا في بغداد وعدد من المحافظات حيث الميليشيات المسلحة لديها اليد الطولى في الشارع واصبحت تشكل مصدر قلق للمواطن حتى ان الاجهزة الامنية لا تستطيع الوقوف بوجهها والاغتيالات الاخيرة للكفاءات العلمية هو مؤشر كبير على هيمنة هذه القوى المنفلته ويتلمس المواطن هنالك تداخل بين الاجهزة الامنية وهذه الميليشيات . والمثال الحي هو بالعودة لحادثة اختطاف سبعة نشطاء شباب من الحراك الجماهيري صرح السيد قاسم الاعرجي وزير الداخلية حينها وقال ( انه تم اطلاق سراحهم بجهود شخصية من قبلي في تصريحة لقناة الشرقية ) . السؤال اين هو دور الدولة وهيبتها ؟ كيف يطلق سراحهم بجهود شخصية ؟اين دور القانون ودور القضاء؟ لماذا لم يكشف عن هوية الخاطفين واحالتهم للقضاء؟ ، هذا يؤشر الى فشل في إدارة الملف الامني . والمؤشر الخامس : هو تراجعكم عن الالتزام بالحفاظ على الحقوق والحريات المثبته في الدستور فتغضون النظر عن هذه التجاوزات من جانب وتدفعون كحكومة بين الحين والآخر الى البرلمان لتشريع قوانين لا ديمقراطية من جانب آخر وعلى سبيل المثال انتهاك حقوق الاقليات الدينية وقانون الانتخابات اللاديمقراطي حيث يوم اول امس صوت البرلمان على قانون سانت ليغو في احتساب الاصوات وتوزيع المقاعد لتصبح 1-9لانتخابات مجالس المحافظات بدلاً من 1 وهذا يعد تكريسا للهيمنة والدكتاتورية ومصادرة حقوق الاحزاب الصغيرة وحقوق المواطن وبقاء نظام المحاصصة جاثما على رقاب الشعب ، رغم اعتراضك اعلامياً على التصويت على القانون في البرلمان ، لكن الموقف المسؤول يتطلب منك ليس فقط التصريح لأجل التسويق الاعلامي وانما الطلب من برلماني حزبك لأعادة التصويت على القانون وقانون حرية التظاهر الذي هو جوهره مصادرة حرية الراي والتظاهر وتكريس للدكتاتورية وبهذا اصبح مصير المواطن ومصير الحقوق والحريات في خطر . الحاجة للنجاح في مهمتك كرئيس لوزراء العراق هو ان تتحرر من اسرك من تطرف قوى في حزبك معادية للاصلاح والتغيير وتسهم في تفكيك التحالف الطائفي التحالف الوطني وتمضي في السير في عمليات الاصلاح والتغيير الديمقراطي ، فستجد غالبية جماهير الشعب تدعمك .
السيد رئيس الوزراء المحترم
حضرتكم تعلم جيداً ان هنالك مواصفات خاصة لرئيس الوزراء وهذه المواصفات هي التي تحدد شخصية رئيس الوزراء واصبحت معايير دولية متعارف عليها في كل الدول الاوربية وكذا الدول التي تحترم القانون ودستور بلدها . وقد تطورت هذه المواصفات بمرور الزمن ومنها على سبيل المثال : ان تتوفر في رئيس الوزراء اولا : الكفاءةالعلمية والمعرفية والادارية والقيادة والقدرة على اتخاذ القرار بعد الدراسة، وان يكون ذا شخصية قوية ومؤثرة ومهابة، وان يتميز بالأخلاق الكريمة والامانة والقدرة على اقناع نواب مجلس الشعب ببرنامجه وحاجة البرنامج لقوانين ذات محتوى ديمقراطي ويدفع باتجاه الاسراع بتشريع هذه القوانين المتعثرة ويلتزم في الممارسة بتطبيق الدستور والقانون .ومن البديهي ان يتضمن برنامجة المشاريع الاستراتيجية الكبرى وان يكون ملما بالتخطيط ورسم السياسات الاستراتيجية . وتحديد اهداف التطور الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي وتحقيق الرفاة والعدالة الاجتماعية. وايمانه بحقوق الانسان واطلاعه وقناعته بالمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان . ..... الخ .
لكن تجربة العراق تؤكد ان هنالك مواصفات اخرى لا بد ان يتسم بها رئيس وزراء العراق وبالذات في المرحلة ما بعد داعش ومنها :
1-ان يمتاز رئيس الوزراء بالجرأة و بالشجاعة في اتخاذ القرارات الصعبة التي تكون لصالح الشعب والوطن ولصالح التحولات الديمقراطية، والشجاعة هي التي تستند على قوة وهيبة الدولة والصلاحيات المثبتة في الدستور وعلى قوة القانون ودور القضاء واستقلاليتة . وهذا يتطلب البدء بأيجاد حلول لعدد من الملفات التي وضعت على الرف .
2- المضي في طريق التطوير الدائم والسير على طريق الاصلاح والتغيير . بالنسبة لك الآن لا يعرف المواطن هل توقفت عن الاصلاح نتيجة تفكير خاطئ بان تصورك مبني على قاعدة ان الاحتجاجات ستنتهي طالما ستحل قضية الكهرباء مع بعض الترقيعات وجلب بعض الرؤوس الصغيرة الفاسدة للقضاء.
3- ان تكون لدى رئيس الوزراء قناعة بالثقافة الدستورية الديمقراطية من يريد ان يكون رئيساً للوزراء عليه الالمام بالثقافة الديمقراطية وتبنيها بقناعة ويؤمن في الممارسة بالنظام الديمقراطي وتطوره ويعطي اولوية لتعزيز المؤسسات الديمقراطية والمساهمة في سن قوانين ديمقراطية وتعديل الدستور بالاتجاه الديمقراطي وتحقيق المصالحة الوطنية . ان الالمام الجيد بالثقافة الديمقراطية تساعد رئيس الوزراء من ايجاد حلول ديمقراطية لكثير من القضايا التي تواجة المجتمع والوطن . .
4- ان تكون لرئيس الوزراء رؤية استراتيجية مستقبلية ويعمل لمستقبل العراق الديمقراطي الفيدرالي .
مع التحيات والتقدير والاحترام .
2-8-2017