الرأي العام.. كيف يتكون؟ / عادل أحمد الجبوري

الرأي العام اصطلاح يقصد به اتجاهات أو ميول الجمهور قي مسألة أو أمر من الأمور التي تهم ذلك الجمهور. هذا الميل أو هذا الإتجاه تبلور بعد جدل ومناقشة و تفكير بين أفراد ذلك الجمهور. وهو على هذا الأساس ليس اتجاها انفعاليا غوغائيا طارئا كما يحدث في كثير من الأحيان في صفوف الجماهير فيجعلها تنزلق في تيارات واتجاهات لم تكن تقصدها . ولكننا نقصد بالرأي العام هو ذلك الاتجاه أو الميل المبني على استعمال الفكر والنقاش وهناك اذا بون شاسع بين الرأي العام الذي هو كما قلنا نتيجة النقاش الهادئ الواعي وبين التصرفات الانفعالية الغوغائية التي تكون نتيجة الجهل والكراهية والحقد والنزوات الطارئة.
إن الجمهور المترابط الذي يصدر عنه الرأي لا بد أن يفكر ويناقش ويتدبر الأمر. فإذا انعدمت الحرية وانعدم التفكير فليس هناك رأي عام. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نقول بأن الرأي العام هو الحكم ، أو الحكم الإجتماعي، على مسألة أو مسائل عامة ومهمة بعد دراستها ومناقشتها. ومع إن اصطلاح الرأي العام حديث إلا أن الحضارات القديمة كانت تستعمل مفاهيم مشابهة له تماما. فقد كانت هناك محاولات من قبل المصريين القدماء والاشوريين للتأثير في الجماهير بطرق الإعلام كواجهات المعابد وأوراق البردي واللوحات الحجرية أو غيرها. وإذا انتقلنا إلى القرون الوسطى رأينا العرب في صدر الإسلام قد أدركوا أهمية الرأي العام. فقد اهتم الرسول العربي العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) والخلفاء الراشدون ومن جاء بعدهم بمعرفة أحوال الرعية واتجاهات الرأي العام فيها. ويؤكد لنا التأريخ إن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يتولى بنفسه دراسة الرأي العام عن طريق الاتصال بعامة الشعب والاستماع لهم. ويحدث التأريخ أيضا عن هذا الخليفة وغيره كيف قاموا
بالتصرف في أموال الشعب وميوله واتجاهاته وحل مشكلاته بكل تواضع وزهد.
والرأي العام السليم في أيامنا هذه ، يتوقف بطبيعة الحال على وجود المنظمات الحرة وعلى انتشار التعليم وعلى وجود العدل الاجتماعي والضمانات الكافية لحرية الرأي بين كافة الناس. وتبلور مفهوم الديمقراطية على الوجه الصحيح ما هو إلا اعتراف بأهمية الرأي العام. ولما كان الرأي العام هو المنبع الذي تصدر منه أحكام الجماهير أصبح من الضروري معرفته ومراقبته والتأثير عليه وتوجيهه الوجهة الصحيحة التي فيها مصلحة الجماهير عن طريق
الاتصالات الشخصية والمطبوعات والراديو والفضائيات التلفزيونية. كل هذه وسائط فعالة للتأثير على الرأي العام وتوجيهه. إن ما يهمنا من سلوك الناس في الشؤون العامة كالسياسة والحكم، التربية والانتخابات والإصلاحات وغيرها تتأثر بما يتصوره الناس أو تلك الصور الذهنية التي يكونونها في رؤوسهم عن أنفسهم وعن حاجاتهم وعلاقتهم بعضهم ببعض. إن هذه الصور الذهنية التي توجد في رؤوس الناس عن أنفسهم والآخرين وعن الحياة هي في الحقيقة آراؤهم العامة. ومجموعة هذه الآراء تكون بدورها ما يسمى بالرأي العام. وهي القوة التي تسعى أجهزة النشر وجماعات الرأي كالاحزاب السياسية والمنظمات الأخرى إلى التأثير فيها.
والآن يجب ان نسأل السؤال الآتي؟ كيف يتكون هذا التصور الذهني في رؤوس الناس؟ وبعبارة أخرى كيف يكون الفرد رأيه ؟ إن عملية تكوين الرأي معقدة جدا تمتد جذورها في مجالات مختلفة في الوراثة والبيئة ولا نريد الآن أن نتطرق اليها لانها خارج مضمون هذا الحديث. والذي يهمنا هنا أن الآراء التي تصدر عن الأفراد تتكون نتيجة للصور الذهنية التي كونوها في عقولهم. وإن هذه الصور تمتد جذورها إلى أصول تشريحية ونفسية موروثة ، وأخرى اجتماعية بحكم البيئة التي يعيش فيها الفرد والعوامل المهمة الظاهرة التي تساعد وتؤثر تأثيرا قويا ومباشرا في تكوين الرأي العام وهي وسائل الإعلام المختلفة كالطباعة على انواعها (المقصود هنا ليس الصحف على مختلف انواعها أو المجلات الأسبوعية والشهرية بل الكتب والكتيبات التي تصدر من جهة ذات اتجاهات دينية وسياسية والتي فيها الصالح والطالح). وحقيقة أخرى أن لا نغفلها بهذا الصدد. هذه الحقيقة هي، لقد اصبحت مهمة توجيه الرأي العام أو ما سميناه بالتوعية في جمهورنا صعبة جدا. ذلك لأن الجمهور فقد الثقة بالمشرفين على توجيه الرأي العام. وكلمة أخرى فقد الثقة بالمسؤولين لأسباب كثيرة منها تاريخية ونفسية واجتماعية وغيرها كثير ولكن أهمها كثرة ما كذبوا عليه، بحيث أصبح بوضعية لا يميز فيها الخبيث من الطيب وصار لا يفرق بين النوايا الصادقة والنوايا الكاذبة الخداعة الماكرة. وإذا ما العمل ونحن في عهد نريد له أن يكون عهدا ديمقراطيا صادقا شفافا بعيدا عن الطائفية والدكتاتورية والشعارات والخطب الرنانة المزيفة ، أحوج ما يحتاج إليه ثقة المواطن الى هذه الشرعية اوالمجموعة التي تقوده ليسهل عليه التأثير فيه وبالتالي التأثير في الرأي العام لتكون دعامة تحرسه من كل الأعداء ، هناك طريق واحد لاسترجاع ثقة الجمهور وبالتالي التأثير فى الرأي العام وتوجيهه الوجهة التي تهدف اليها الحكومة الجديدة. هذه الطريقة تتطلب اول ما تتطلب أن يلمس ويرى هذا الجمهور بأم عينيه براهين مادية ومعنوية تتصل بحياته. تعمل من أجله لتقوده إلى حياة حرة كريمة. من جهة أخرى يجب على هذه الحكومة الجديدة أن تكون حكومة شفافة ديمقراطية تضع المواطن ووحدة الوطن أمام أعينها وان تكون من ناحية أخرى حكومة ثورية؛ والثورة بهذا المعنى تنطوي على تفهم عميق وواسع بالمشاكل التي تواجه الحكومة الجديدة في الداخل والخارج. والثورية تنطوي على تحمل المسئولية بشجاعة واقدام. وتنطوي أيضا السرعة في التخطيط والعمل. والثورية بكلمة أخرى تخطي هذا الروتين الذي عرقل كل بناء لهذا الوطن. والثورية تنطوي عل التشخيص لأعداء هذه الحكومة والثغرات التي يمكن أن ينفذ منها أعداء هذه الحكومة الانقضاض عليها واحهاضها ناهيك عن الفضائيات التلفزيونية وكثير منها يشوش على أغلبية واسعة من الجمهور والذي بدوره يمثل الرأي العام وان هذه الفضائيات تمثل أحزاب وتيارات ودول وشركات مغرضة مرتبطة بدول ذات مصالح ديدنها بث الفرقة بين مكونات الشعب لذلك نرى بعض الحكومات ذات قلق مستمر وتعتبرها حق مشروع. لذلك تقوم هذه الحكومات وفي كل الأوقات بالإشراف والرقابة على ما يسمعه الناس من اذاعات وما يقرؤونه من صحف وكتب ونشرات وما يشاهدونه من هذه المحطات الفضائية. والوعي القومي في أي بلد يقاس بالرأي العام ذلك لأن الأفراد في حالة الرأي العام يتمتع كل منهم بفرديته ويستطيع أن يظهر شخصيته وان يظفر بالحرية الكافية لشرح وجهة نظره التي يؤمن بها ويرغب في إقناع غيره بما فيها من صواب. ذلك لأن الرأي العام كما ذكرنا هو الاتصال الفكري الهادئ وحرية المناقشة. فاذا تيسر الاتصال بين الناس تيسر تكوين الرأي العام ، أما إذا تعذر الاتصال يصبح أمر تكوين الرأي العام أمرا مستحيلا. ومهمة القائمين على تنوير وتوجيه الرأي العام أو ما يسمى بالتوعية أن يقدموا المعلومات والأخبار بأسلوب واضح وصريح ودقيق وبطريقة تفهمها الجماهير ويجب الابتعاد عن التهويل والخداع والكذب وأهم من هذا إثارة اهتمام الناس بالمشكلات العامة والمشاركة في حلها. وهذا على العكس في الدعاية التي تسعى إلى إخفاء الحقائق وتخدير الشعب وتركه غافلا لا يهتم بتفاصيل الأمور. وهذه المعلومات والأخبار التي تقدم للجماهير يجب أن لا تكون تحديا لعواطف الجماهير الوطنية والقومية والدينية.كذلك يجب ان لا تكون تحديا لتاريخهم وتقاليدهم وحضارتهم.
على أن التأثير في عواطف الجماهير وميولهم ممكن، وأن توجيه تلك العواطف والميول إلى وجهة معينة ممكن أيضا. وبالتالي فالتأثير بالرأي العام وتوجيهه إلى جهة ما ممكن. وطريقة ذلك لا يجيدها إلا المختصون بذلك.