- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الجمعة, 22 أيلول/سبتمبر 2017 09:22

" وقلت بكتبلك " تأخرت كثيراً ولكن . . .
على قدر شمس تكون السماء .
هل ذهبت لتقطفها عن الشجر الباسق شرق الينابيع وأخذت معك " ورق " أيلول وانطويت على ظلّك حتّى مغيب الغروب المدمّى بالأحمر القاني .؟
هل تعود غداً على درب الشمس ؟
ثمّة شمس تهبّ من الشجر وثمّة شجر يهبّ من الشمس !
من أي ضوء ستجيء ؟
أذرف اليوم وفي ذكرى ١٦ أيلول دمع الكلام وأهيم بغيمة بيضاء تأخذني إلى أعلى ثمّ أعلى .
" وقلت بكتبلك " [ يروح ويجي بيناتنا أيلول ، ويموت فوف السهل لون الليلكي ، وما حدا يسأل ، شو باك وشو بني ]
أتذكر " محمد العبدالله " عندما التقينا في قهوة بحريّة نتبادل بعض الحنين ، وقلت للعود : دربني على وتر إضافي ، ليطلع المقام كشال ناعم في حب أيلول . ووصف الحب هذا مهارة لم أوتها . ترسمنا الغيوم على وتيرتها . نضع الخيال على تلفته البعيد .
أتذكر رائحة اليود في بحر بيروت وعطره المالح . فرحي جريح اليوم كالغروب على هذا الشاطيء .
كلمات توقظ الماضي ، تحثّ على تذكّر الحمامة التي عششت على القرميد الأحمر وحلقّت على كفاف مكانها وتبادلت بعض الرموز ورحلت عن المدينة التي كنّا نمشي في خريطتها فتضيق بنا ونصرخ في متاهتها : نحبّك ، نحبّك ، نحبّك . وكان حبنا مرض وراثيّ .
بيروت صارت صغيرة مثل حبّة سمسم . لا المدينة مدينة ولا الديار هي الديار . . .
كانت مدينة ، صارت نصّاً .
. . .
كان خليل الدبس الفصل الثقافي في حياتنا البيروتيّة وكان اسمه الناهض من رماد الحرب اللبنانية إلى جمرة المطالعة الفكريّة والأدبية والسياسية ساطع كالشمس . ولقد زرع فينا حب الكتاب ولم يحصد سوى الغياب .
كان خليل الدبس واقعي إلى أقصى الحدود وعميق بالتعدديّة الثقافيّة التي تمنح البلاد والعباد خصوصيتها . يبحث ولا يكلّ عن نقاط الالتقاء مع الآخر . كان بصره كبصيرته يخترق الدخان الأسود المنبعث من حرب ضروس أكلت الأخضر واليابس وكنت شاهداً على أسئلته السياسيّة الهاربة من الشعر في بيروت الحرب اليوميّة وفي المنافي البعيدة .
الألم لاحق هذا الرجل النبيل وحاصره ، نام وتدثّر جسده النحيل بأرض الحلم .
سنفتقده دائماً وخاصة في الأزمات وفي جميع نواحي الحياة لأنه جزء أساسي في تكويننا الهشّ . وإنه فريد بثقافته ونشاطه الخارق ومزايا شخصيّة لا تورّث .
كان يسبق الموت الى الحياة فنحيا معه في رحلة الشعر والأدب الى هدف يتلألأ بالمستحيل .
لقد أغلق الباب بعد رحيله وبعده لم نعثر على " الخليل "
كان يخصّب الفكرة وينعش الذاكرة ويروّض التناقض ويشعل النار في الجليد .
لم ينتصر في معركة الحياة لكنّه انتصر في معركة الدفاع عن الوطن وترك في كل واحد منّا شيء منه .
أحبنا خليل واهتم بهمومنا الشخصيّة وأرشدنا الى الإحساس بالبوح المسكوت عنه .
صوته الخافت كان صادحاً ، كان صوت المتأمل والمعذّب . قرأ علينا مزاميره في زمن المحنة وكان يجد دائماً وقتاً للتأمل وليس من الصعب أن تعثر على التطابق الشفّاف بين شخصيته العذبة وحضوره الآثر وبين تقشفّه في العيش . انكسر صوته واستمر صداه .
خليل الدبس ، ما زلنا معك وحولك نقرأ في كتابك عن حياة تتسّع لحلم عادي يحقق فيها الفرد والجماعة طريقتهم في العيش الكريم .
هل تتابع صورة غدنا ؟ ما زلت أذكر وحتى اللحظة الأخيرة كنت عاكفاً على العمل لوطنك وكأنك تعيش أبداً .
وككل مبشّر لم يكتب كثيراً بقدر ما انخرط في النضال الفكري اليومي دفاعاً عن الأمل .
خليل الدبس ، حاضر للصداقة اللذيذة ، أليف ووديّ وهو أخويّ لا أبويّ ، يصغي إليك بتواضع من يريد أن يعرف ثم يستدرجك إلى أسئلة حكمته وثقافته .
كان حالماً وكم نحن بحاجة الى الحالمين .
عاد الى الأرض ليغرس فيها شجرة المعرفة .
خليل الدبس شكراً لك .
13 أيلول 2017