لينين وأكتوبر المجيد / ناصر حسين

في آذار 1917 سقط النظام القيصري في روسيا القيصرية تحت ضربات انتفاضة شهر شباط وفقاً للتقويم القيصري القديم .
علم لينين من الصحافة السويسرية فقد كان منفياً هناك آنذاك , بتطورات الأوضاع في روسيا فتوجه عائداً إلى الوطن .
وفي اللحظات الأولى لوصوله إلى العاصمة الروسية سانت بطرسبورج التي تحول اسمها بعد سقوط القيصرية إلى بتروغراد , ارتقى إحدى المدرعات ليخاطب الجمهور بالقول قمتم بالخطوة الأولى وعليكم القيام بالخطوة الثانية وعرض في حينه وجهة نظره فيما يعرف اليوم بموضوعات نيسان وفيها طرح الشعار المعروف ( كل السلطة للسوفيتات) وهذا يعني في التطبيق العملي انتزاع السلطة من يد الحكومة المؤقتة التي شكلت بأمر من رئيس مجلس الشيوخ وفقاً لصلاحياته الدستورية تلك الحكومة التي مثلت في حينه حزب البرجوازية الروسية ( الكاديت) أحسن تمثيل وتسليمها إلى مجالس سوفيتيات العمال , والفلاحين والجنود أي تسليم السلطة الى الكادحين بدلا من البرجوازيين ومعلوم ان لينين عندما سئل فيما بعد عن الاشتراكية أجاب بشكل مقتضب أنها ( مجالس السوفيتات + الكهرباء) .
تهديدات الحكومة المؤقتة باعتقال لينين بتهمة الخيانة وعقوبتها الإعدام اضطرت قيادة الحزب إلى نقله إلى منطقة بحيرة رازليف وهناك في تلك الغابة التي تحاذي الحدود الفنلندية كتب مؤلفه الشهير ( الدولة والثورة) واخذ يفاتح قيادة الحزب بوجهة نظره عن طريق الرسائل التي ينقلها منه واليه المراسلون .
آنذاك كان يلح في رسائله إلى قيادة الحزب على أهمية انتزاع السلطة من الحكومة المؤقتة التي ترأسها كيرنسكي بعد الحكومة المؤقتة الأولى وكان كيرنسكي يصر على مواصلة اشتراك روسيا في الحرب العالمية الأولى التي اندلعت نيرانها عام 1914 واشتركت فيها روسيا إلى جانب الحلفاء ضد ألمانيا والدولة العثمانية في حين يلح المجتمع على ايقاف الحرب وانسحاب روسيا منها .
كانت وجهة نظر لينين تلقى المعارضة من جانب بعض أعضاء اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي وخصوصاً من جانب تروتسكي وكامينيف و زينوفياف
توجد رسالة منه موجهة إلى اللجنة المركزية على ضوء عدم وصول إجابات إليه على بعض رسائله يتساءل فيها عن عدم الإجابة ويضيف ( أن هذا يعني إنكم تقولون لي سكر الفم وانصرف) وإذا كان الأمر كذلك فانا سألتزم بوجهة نظركم مع احتفاظي بحقي في عرض وجهة نظري على قواعد الحزب .
ووقع تمرد كورنيلوف وفشل.
على ضوء وقوع التمرد أرسل لينين رسالة إلى اللجنة المركزية يتحدث فيها عن أمكانية انتزاع السلطة سلمياً ويؤكد في رسالته وببراعة ( أن هذه الفرصة قد تكون أفلتت وأنا اكتب هذه الرسالة ) .
وواصل مراسلة اللجنة المركزية مؤكداً على ضرورة أخذ السلطة من حكومة كرنسكي وفي أحدى رسائله كتب إلى اللجنة المركزية يقول ( أن الحزب الذي لا يبادر إلى استلام السلطة حين تتوفر شروط ذلك لا يساوي اكثر من صفر على اليسار ) .
تروتسكي بقي يصر ومن موقع الجمود العقائدي على ان وجهة نظر لينين التي تقول بامكانية قيام الثورة في بلد واحد وفي اضعف حلقات الرأسمالية تخالف ما طرحه ماركس بان الثورة ينبغي ان تقوم في عدد من البلدان المتطورة رأسمالياً وفي وقت واحد .
كامنيف وزينوفياف كانا يصران على ان الظروف الموضوعية والعامل الذاتي المطلوبان للقيام بالثورة لم ينضجا بعد .
وكان لينين يحاججهما بان الوضع الثوري ناضج تماماً للقيام بالثورة آنذاك كانت الجماهير مقتنعة بان حكومة كيرنسكي ليست هي الحكومة المطلوبة لقيادة الدولة الروسية المترامية الأطراف , ووصل الأمر حد أن الوحدات المسلحة المتواجدة داخل العاصمة قطعت ارتباطها بالحكومة المؤقتة وأخذت تستلم توجيهاتها من قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي – البلاشفة – وأخيرا عقدت اللجنة المركزية للحزب اجتماعها المطول واستغرق أربعة عشر ساعة استطاع لينين خلاله , إقناع اللجنة المركزية بوجهة نظره وقررت إسقاط حكومة كيرنسكي بتحفظ تروتسكي، كامينيف وزينوفياف وقد تحقق ذلك الإسقاط ليلة 6/7 نوفمبر لتشكل منعطفاً كبيراً في تاريخ البشرية وفي نضال البروليتاريا ضد الاستغلال الرأسمالي للكادحين .
في فيلم سينمائي عن ثورة أكتوبر عرض عام 1959 في إحدى دور السينما ببغداد أتذكر لقطة مهمة إذ دخلت صاحبة الدار حيث كانت اللجنة المركزية للحزب مجتمعة وهي تحمل في يدها كرسياً يبهر الأبصار سألها لينين عنه فأجابت أنها أخذته من دار أحد البرجوازيين التي اقتحمتها الجماهير عندها التفت لينين إلى المجتمعين وهو يقول ها قد رأيتم بأنفسكم ان الشعب بدأ بثورته وانتم تناقشون سمات الوضع الثوري والعامل الذاتي هل نضجا ام لم ينضجا) وهذا عرض بسيط عن دور لينين في تفجير ثورة أكتوبر المجيدة .