القانون الجعفري اجهاض لحقوق الانسان المدنية / جواد وادي

لا نعرف سبب هذه التوقيتات التي تستهدف الاستقرار المجتمعي في بلد يحتاج الى جهود جميع مكوناته واطيافه في العمل معا لترسيخ البنية المجتمعية البعيدة عن المذاهب والاطياف والإثنيات، بسن قوانين مدنية تحفظ حقوق الجميع وتحافظ على اللحمة الوطنية دون تحيز لهذا المكون او ذاك، وهذا الامر بات ضرورة ملحة في بلد مهدد بالتشظي والانقسامات المذهبية والعرقية ليزيد تشريع القانون الجعفري المزمع التصويت عليه في البرلمان من حالة التفرقة والانقسامات الخطيرة سيما انه يلامس حياة المواطنين في تفاصيل حياتهم وبدل السعي لتشريع قوانين وطنية جامعة لكافة الاطياف العراقية، يأتي هذا القانون لينسف ما تبقى من حريات مدنية اخذة بالقضم بتجاوزات من وجهة نظر ضيقة، انطلاقا من سنة "أنا الطائفة الناجية" وعليه ينبغي أن امرر ما اعتقد وأؤمن به على جميع شرائح المجتمع العراقي، متجاهلا كافة الملل الدينية والقومية والاثنية التي تشكل النسيج العراقي الذي هو بحاجة الى العمل الوطني الجاد والبعيد عن الانانيات والتشريعات الفقهية التي يقينا ستجزأ المجتمع وتساهم بشكل او بآخر بتفرقته، لتحيل التساكن المطلوب الى تباعد وتفرقة وشحن طائفي حتى بين افراد العائلة الواحدة، فهل فكّر المطالبون بتشريع القانون الجعفري هذا بحجم المخاطر التي ستترتب على تطبيقه، وهل ان العراق في وضع لإثارة مثل هكذا مشروع قد يصعب العيش بين افراد المجتمع المفكك أصلا بسبب مسلسل الحروب وأنظمة الحكم الفاشية والتناحرات الطائفية والمذهبية والمناطقية وسواها، ليأتي المبشرون بسن هذا القانون العجيب بزلزال جديد قد يحيل الأوضاع على برميل بارود قادم.
سبق وأن هاجت وماجت منظمات المجتمع المدني حين أعلن السيد حسن الشمري، المحسوب على حزب الفضيلة، بنيته في تقديم هذا القانون لمجلس النواب للتصويت عليه بعد ان تمت صياغة فقراته حيث كان في منصب وزير العدل، لوزارة ينبغي تراعي تطبيق القانون والحريات المدنية لكل العراقيين، لا ان ينظر لتشريع القوانين بعين واحدة ويترك المسارب الأخرى تسير صوب الكارثة، مما اضطره هو وبقية المطالبين بتشريع القانون الجعفري الى سحبه، ليظل الأمر على ارفف احزابهم الدينية، لتتحين الفرصة الآن وتطرحه على البرلمان من اجل تشريعه.
إن قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1958 كان منسجما مع كافة الحقوق والحريات الأساسية في الدستور كذلك كان يراعي ثوابت الدين الإسلامي بكل طوائفه، دون تغليب مذهب على مذهب اخر، فلماذا يسعى السادة البرلمانيون المنادون بتطبيق هذا القانون الذي يفرق أكثر مما يقرب بين مكونات العراقيين كافة.
إن القوى العراقية الحية التي تسعى وتناضل من اجل الحقوق المدنية وتأسيس الدولة المدنية مطلوب منها تكثيف جهودها وبكافة الوسائل المشروعة والقانونية للوقوف بوجه هذا المد العاصف والخطير، حتى وان تطلب ذلك مناشدة المنظمات الحقوقية الدولية لشن حملة لإيقاف تشريع هذا القانون، بل والغائه تماما كيلا يأتي يوم آخر ليتحين العاملون في الخفاء ثانية لإحياء هذا المشروع الكارثي وتوظيفه سياسيا، لان الفاسد لا ينتمي لأي دين أو مذهب أو تيار وطني، بل هم يراهنون على تحريك وجدان البسطاء وأنصاف المتعلمين ليشهروا ادعاءاتهم بأنهم أوفياء للمذهب، وهذه لعبة سمجة باتت مكشوفة لكل العراقيين بما فيهم الغر من الناس بوعيهم الفطري الذي يسهل توجيهه حيث تريد بوصلة الأدعياء. أنها لعبة مكشوفة قد تهدم كل شيء تحقيقا لأغراض شخصية ضيقة للحصول على امتيازات شيطانية تمرر من وراء ظهور الناس، ولا يهمها من تفكك الوطن وتدميره.
أن المتضرر الأساسي في هذا القانون هو المرأة العراقية التي يعتبر تشريعه انتكاسة حقيقية وهضم لحقوقها ومكتسباتها التى وإن كانت ليست بالمستوى المطلوب، ليكمل هذا التشريع الجديد، اقصاءها وتهميشها والحط من كرامتها.
إن الإصرار الخبيث لإدراج تشريع قانون الأحوال الشخصية الجعفري، يجيز الزواج من القاصرات، وهذه الفقرة لوحدها تعتبر وصمة عار ستحط من كرامة المرأة وتحولها الى سلعة مسلوبة الإرادة وتشيع قانون الغاب، فبدل أن تكون القوانين جميعها هي المرتكز الأساس لتنظيم علاقات المجتمع المدني، سيحيل هذا المشروع قانون الأحوال الشخصية إلى الأوقاف المذهبية، وهنا تكمن المعضلة.
المطلوب من كل العراقيين بشتى انتماءاتهم الحؤول دون تمرير هذا القانون، لأن تطبيقه سيشعل الحرائق في كل منطقة وبين كل المذاهب والأطياف، بل وحتى داخل الأسرة الواحدة، حين ينتزعون القاصرات من أسرهم وتزويجهن عنوة ورغما عنهن للمفترسين من ذوي الشهوات الدنيئة، وكل ذلك سيحدث باسم المذهب والقانون، عندها لا يجوز الاعتراض على هذه التجاوزات المخيفة.
ماذا تنتظرون أيها العراقيون وأنتم تساقون وعوائلكم الى متاهات الاقصاء والمحو الحقيقي، وتتركون العابثين يسحبونكم الى محارق التهلكة باسم الدين وأنتم صامتون ويطوقكم صمت الأموات.