مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم ( 188 ) لسنة 1959 ( المعدل ) مضامينه و تقاطعاته مع الدستور ومع القوانين النافذة و الاتفاقيات الدولية / زهير ضياء الدين

صوت مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 13/10/2017 على الموافقة من حيث مبدأ على مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم ( 188 ) لسنة 1959
( المعدل )
و يعتبر قانون الاحوال الشخصية النافذ من بين اهم التشريعات التي تم تشريعها بعد ثورة الرابع عشر من تموز، وهو يجسد المواطنة العراقية من خلال اختياره لأفضل ما اعتمدته المذاهب الاسلامية، و لم يكن يمثل مذهباً واحداً، بحيث اصبح هذا القانون مرجعأ و مثلأ يحتذى به في الدول العربية. الا ان من يصعب عليهم أي شيء يوحد العراقيين و لا يفرقهم، تحركوا مجددا لتوجيه طعنة إلى هذا القانون، بعد ان اخفقوا في تمرير قانون الاحوال الشخصية الجعفري نتيجة للجهود المتميزة التي بذلتها منظمات المجتمع المدني، مدعومة بالقوى الخيرة، و ذلك من خلال السعي الى تشريع مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم ( 188 ) لسنة 1959 (المعدل) الذي يضمن كرامة و حقوق المرأة القانونية و الانسانية، ليجعلها عرضة لنزوات الرجال، بعيدأ عن كل المبادئ و القيم و الاعراف و القوانين و المواثيق الدولية التي انضم اليها العراق.
وسنتناول الموضوع من خلال استعراض ما تضمنه مقترح التعديل، والذي تضمن عشر مواد. جاء في (مادته الاولى) اضافة فقرات جديدة على نص(المادة الثانية) من القانون، والتي تحدد نطاق سريانه، وتضمنت الفقرات المضافة الجواز للمسلمين الخاضعين لأحكام هذا القانون الطلب بتطبيق الاحكام للاحوال الشخصية وفق المذهب الذي يتبعونه، مع الزام المحكمة المختصة باتباع ما يصدر عن المجمع العلمي في ديوان الوقف الشيعي، والمجلس العلمي للافتاء في ديوان الوقف السني وتبعاً لمذهب الزوج. وتشكل هذه المادة الواردة ضمن مقترح التعديل اكثر من انتهاك للحقوق و الحريات الواردة في الدستور، حيث شرعت زواج القاصرات بعمر تسع سنوات، برغم ما يضيفه ذلك من مخاطر طبية و نفسية عليها. كما انها، ومن خلال اعطاء صلاحية لكل من الوقفين الشيعي و السني باتخاذ قرارات في القضايا المرفوعة امام المحاكم، عبر كل من المجمع العلمي في ديوان الوقف الشيعي و المجلس العلمي و الافتائي في ديوان الوقف السني يعني تعطيل و تعارض مع المادة ( 87 ) من الدستور التي تنص علي أن (السلطة القضائية مستقلة) والماده( 88 ) في الدستور التي تنص على (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم ....)
- اما (المادة الثانية) من مقترح التعديل فتضمنت اضافة على المادة الثانية من قانون الاحوال الشخصية تقضي باعتبار عقود الزواج السابقة لنفاذ التعديل قد تم ابرامها وفقأ للمذهب الشيعي اذا تضمنت حجة الزواج عبارة (عند المطالبة و الميسرة) بشان استحقاق المهر المؤجل.
- اما ( المادة الثالثة ) فقد الغت نص البند (5) من المادة العاشرة من القانون واحلت محله جواز ابرام عقد الزواج للمذهبين ( الشيعي و السني ) كل وفق مذهبه من قبل من يجيز من فقهاء، على ان يجري تصديق عقد الزواج في محكمة الاحوال الشخصية خلال ( 60 ) يوماً من تاريخ ابرامه.
في حين أن النص في القانون الحالي يقضي بفرض عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة اشهر و لا تزيد عن سنة، او بالغرامة لكل رجل عقد زواجاً خارج المحكمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات و لا تزيد عن خمس سنوات اذا عقد خارج المحكمة زواجأ آخر مع قيام الزوجية وكان هذا النص يشكل حماية للحقوق القانونية للمرأة، اضافة الى المحافظة على سلامة تماسك الاسرة.
- اما ( المادة الرابعة ) من مقترح القانون فهي جوزت للزوجة ان تشترط على الزوج في عقد الزواج ان تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها متى اخل بحقوقها الزوجية: النفقة و حسن المعاشرة، فهي حالة جديدة اضيفت تجيز للزوجة طلاق نفسها من خلال اشتراطها ذلك في عقد الزواج، مما يشكل خطورة كبيرة، و يسبب سلطة على الاسرة بانهائها في أي وقت، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العراق اجتماعياً و اقتصادياً.
- اما ( المادة الخامسة ) من مقترح القانون فهي اعتبرت عقد الزواج باطلأ في حالة وقوعه بالإكراه، حتى لو تم الدخول خلافاً للنص السابق الذي لا يعتبره باطلا في حالة وقوع الدخول.
- اما ( المادة السادسة ) من المقترح فهي اعتبرت نفقة الزوجة غير الناشز ديناً في ذمة زوجها من وقت امتناعة عن الانفاق عليها، في حين كان النص ضمن المادة ( 24 ) من القانون النافذ حددها بسنة واحدة من تاريخ الامتناع عن الانفاق. والمبدأ الجديد هو لصالح الزوجة.
- اما ( المادة السابعة ) من مقترح التعديل فقد حددت من يحق للزوج اسكانهم في دار الزوجية بأبويه او احدهما خلافا للنص السابق الوارد ضمن ( 26 ) من القانون النافذ، الذي يجبر اسكان اخرين هم ولده من غير زوجة، ومن يكون مسؤولأ عن اعالتهم شرعا، أي ثم تضيف الاباحة لاسكان الآخرين.
- اما ( المادة الثامنة ) من مقترح القانون فهي اضافة نص جديد يقضي بعدم جواز الحكم بمخالفة أي مواد من مقترح التعديل او بنوده او فقراته لثوابت احكام الاسلام، الا اذا صوت على مخالفته اغلبية خبراء الفقه الاسلامي في المحكمة الاتحادية العليا، وحيث ان القانون الجديد للمحكمة الاتحادية العليا الذي ينص على وجود خبراء الفقه ضمن اعضائها لم يشرع لحد الان، مما
يعني سد الطريق امام الطعن بعدم دستورية هذا التعديل في بعض المجالات
و نصت ...
- ( المادة التاسعة ) من المقترح على عدم جواز العمل بأي نص يتعارض مع احكام هذا المقترح في حين تضمنت.
و نصت ...
- (المادة العاشرة) و الاخيرة من مقترح التعديل فقد استبدل تحديد بتاريخ نفاذه بتاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
و من خلال استعراض المواد اعلاه نجد ان معظمها لم يكن جوهريا، في حين ان كلا من ( المادة الاولى ) التي جوزت الزواج بالقاصرات و ( المادة الثالثة ) التي جوزت الزواج خارج المحكمة باعتباره قانونيا، كما جوزت الزواج بأكثر من زوجة دون الحاجة لموافقة الزوجة او المحكمة، و كذلك ( المادة الرابعة ) التي جوزت للزوجة اشتراطها على الزوج ان تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها، تشكل هذه المواد خطورة على المرأه و الاسرة، وسنتناول لاحقأ ابرز التقاطعات في هذه المواد مع القوانين النافذة والنصوص الدستورية و الاتفاقيات الدولية ضمن مجال السن الذي يعتبر النقطة الجوهرية التي تشكل خطورة كبيرة على تزويج القاصرات استنادأ للنص الوارد في (المادة الاولي) من مشروع التعديل.
و نستعرض في ما يلي سن البلوغ في القوانين العراقية النافذة حيث نصت المادة
( 106 ) من القانون المدني رقم ( 40 ) لسنة 1951 ( سن الرشد هي ثمانية عشر سنة كاملة ) و نص قانون العقوبات رقم ( 111 ) لسنة 1966 ضمن المادة
( 66 ) على ( يعتبر حدثأ من كان وقت ارتكاب الجريمة قد اتم السابعة عشر و لم يتم الثامنة عشر ... الخ )
اما قانون الاحداث رقم ( 32 ) لسنة 2014 فقد نصت المادة ( 2 ) على ( الحدث كل من لم يتم الثامنة عشره من عمره ) و اخيرا نص قانون الاحوال الشخصية رقم ( 188 ) لسنة 1959 ( المعدل ) ضمن المادة ( 77 ) على ( يشترط من تمام اهلية الزواج العقل و اكمال الثامنة عشر ) مما يعني ان اعتبار سن البلوغ ب (18 ) سنة اصبح من النصوص القانونية الآمرة، و كان الاستثناء الوحيد في هذا المجال هو ما نصت عليه المادة ( 8/1 ) من القانون التي جوزت للقاضي الاذن بالزواج لمن بلغ الخامسة عشر من العمر بعد موافقة وليه الشرعي، او اذا وجد ضرورة قصوى. بذلك يتبين بوضوح ان زواج القاصرات بعمر تسعة سنوات لا ينسجم مع القوانين النافذة التي حددت سن البلوغ، وبالانتقال الى محور آخر هو دستور جمهورية العراق نجد انه يتضمن العديد من المواد التي يشكل تشريع مقترح القانون انتهاكأ لها، نذكر منها نص المادة ( 2/ج ) التي نصت على (لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق و الحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور) باستعرض المواد التي تضمنها باب الحقوق و الحريات نجد على سبيل المثال المادة ( 14 ) التي نصت على مبدأ المساواة لجميع العراقيين بغض النظر عن مذاهبهم. و المادة ( 30 ) التي نصت على كفالة الدولة للفرد و الاسرة و بخاصة الطفل و المرأة الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الاساسية للعيش حياة حرة كريمة ... الخ)
اما الاستناد الى نص المادة ( 41 ) من الدستور التي نصت على ان العراقيين احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب ديانتهم او مذاهبهم او احد معتقداتهم او اختياراتهم، فهي مادة خلافية بانتظار تعديلها او حذفها، ومن بين النصوص الواردة في دستور جمهورية العراق ( المادة / 8 ) التي ورد فيها احترام العراق للالتزامات الدولية، و ينسحب ذلك على جميع الاتفاقيات الدولية التي انضم اليها بموجب قوانين تم تشريعها من خلال سلطته التشريعية، و بذلك اصبحت جزءا لا يتجزأ من المنظومة القانونية للعراق، ما يعني ان المحاكم ملزمة باعتمادها عند النظر في القضايا ذات الصلة، و نذكر في هذا المجال ابرز هذه الاتفاقيات،و نذكر اولأ العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الذي اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1966 و صادق و انضم اليها العراق في عام 1971 و من بين ما تضمنه هذا العهد وضمن المادة ( 10 ) منه وجوب منح الاسرة التي تشكل الوحدة الجماعية الطبيعية و الاساسية للمجتمع اكبر قدر ممكن من الحماية و المساعدة .... الخ)
كما نصت على (وجوب اتخاذ تدابير حماية و مساعدة خاصة لصالح جميع الاطفال و المراهقين دون أي تمييز .... الخ)
كما ان النصوص التي وردت ضمن المقترح تتعارض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي اعتمدته الجمعية العامة للامم المتحدة في عام / 1966 و انضم اليه العراق في عام / 1971 و الذي ورد ضمن المادة ( 23 ) منه نص (يكون للرجل و المرأة ابتداء من بلوغ سن الزواج حق معترف به في التزوج و تأسيس اسرة)
اما اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة التي اعتمدتها الجمعية العامة للامم المتحدة في عام / 1979 و انضم اليها العراق عام / 1986 و التي كان من بين ابرز ما فيها من نصوص هو نص المادة (16/2) التي نصت على (لا يكون لخطوبة الطفل او زواجه اثر قانوني، وتتخذ جميع الاجراءات الضرورية بما فيها التشريع لتحديد سن ادنى للزواج و يجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي امرأ الزميأ)
و اخيرا و ليس آخرا اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للامم المتحددة عام/ 1989 و انضم اليها العراق عام / 1994 التي نصت ضمن
المادة( 1 ) منها على ( لاغراض هذه الاتفاقية يعني الطفل الانسان من لم يتجاوز الثامنة عشر مالم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه).
وفي الختام نود ان نوكد ان حالة النضوج الكامل، سواء بالنسبة للقضاة او الفتى، لا ترتبط ببلوغ سن معين فقط، بل من الضروري ان يكون طرفا الاسرة
(الزوج و الزوجة) يمتلكان من الخبرة بالحياة والمصاعب التي قد تواجههم
و كيفية تجاوزها، اضافة الى حالة النضوج البايولوجي لكليهما بما يمكنهم من الاستمرار في العيش بحياة كريمة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها العراق حاليا.
كل ذلك يدعو جميع الاطراف المعنية بتشريع قانون جديد للاحوال الشخصية ان يفكروا اكثر من ، و يراجعوا مواقفهم بحيث يكونون على قناعة بسلامة موقفهم في قضية تعتبر من اخطر القضايا لحياة و مستقبل الانسان، كما ان منظمات المجتمع المدني التي تشكل زهرة يانعة وسط حالة الانهيار التي نعيشها، تلعب دوراً متميزاً في حماية طفولة و انسانية و كرامة العراقيين، والتي اثبتت اكثر من مرة قدرتها على تحقيق ذلك من خلال التعبئة الجماهيرية وصولا الى تعطيل او سحب العديد من التشريعات التي لا تخدم نفاذ الدولة المدنية دولة المواطنة.