القدس - الطعنة القوية لترامب / رينيه باكمان

الترجمة عن الفرنسية: فؤاد الصفار
مثل اعتراف الرئيس الاميركي ترامب بالقدس كعاصمة لدولة اسرائيل استفزازا للعالم العربي والاوربي، لكنه، من وجهة نظر واشنطن، يدخل ضمن اطار الحل السلمي الذي ترغب واشنطن بفرضه علي الفلسطينيين بمساعده المملكة العربية السعودية واسرائيل.
ان اعلان دونالد ترامب هو اشبه بصاروخ ذي مرحلتين. حيث تمثلت المرحلة الاولى بالقول ( ان القدس هي ليست مدينة للاديان الثلاثة، بل هي عاصمة اكبر الديمقراطيات في العالم)، وفي هوج هذا الاعلان جاءت المطالبة بالاسراع في نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الي القدس .
اضافة الى ذلك، فان قرار الرئيس الاميركي يمثل قطيعة مع 70 سنه من السياسة الاميركية في الشرق الاوسط ، وقد لاقى معارضة شديدة من قبل الفلسطينيين اولا والدول العربية والاوربية ثانيا. وهنا تأتي المرحلة الثانية من صاروخ ترامب الذي اكد انه ينوي اعادة الحياة الى مباحثات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين المتوقفة منذ عده سنوات، واكد ايضا اصراره علي تحقيق ذلك باعتبار ان الموقف الرسمي الامريكي لا يزال يدعو الى اقامة دولتين متجاورتين. بمعنى اخر لا يزال ترامب يحلم بتحقيق الصفقة الكبيرة التي عجز الرؤساء السابقون عن تحقيقها. وهذا ما سعى اليه ركس تليورسن، وزير الخارجية الاميركي، خلال اجتماعه بحلف الناتو الذي عقد مؤخرا، وبعد ان وجهت له العديد من الانتقادات من قبل الحلفاء الاوروبيين، حيث حاول طمأنتهم بامكانية تحقيق هذه الصفقة.
اذن، كيف يمكن تصور قيام اتفاق بعد هذا الاعلان الذي اعتبر استفزازا من اكثرية الدول المشاركة، بهذا القدر او ذاك، في ايجاد حل للصراع الاسرائيلي/الفلسطيني. والرئيس الامريكي، كعادته، عمل بما يوحي له رأسه، مدمرا كل ما قامت به الادارة الامريكية ومبعوثوها الي الشرق الاوسط، بمعنى اخر، ان يجعل القدس الوسيلة التي تسمح له بفرض الصفقة الكبيرة .
منذ عده اشهر يتم تهيئة مخطط جديد لمنطقة الشرق الاوسط من قبل اعداء الامس و اصدقاء اليوم، العربية السعودية واسرائيل، وبتأثير امريكي للضغط علي القيادة الفلسطينية لقبول الخطة الجديدة. ا
في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام كان هناك اجتماع في القاهرة لحل المشاكل بين قيادتي فتح وحماس، وفي نفس التوقيت تمت دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الي السعودية ليجتمع مع ولي العهد محمد بن سلمان الذي يملك طموح المغامرة بالتغيير ولكن ليس بشكل ديمقراطي لمحاولة قلب موازين القوى في المنطقة.
المباحثات التي جرت بين محمود عباس وولي العهد السعودي لم يعلن عنها الرئيس الفلسطيني ولكن عن طريق الوفد المرافق له، ومن خلال بعض الدبلوماسيين تم الحصول علي الخطوط العريضة لخطة السلام الجديدة المقدمة من ولي العهد والتي رفضت من قبل محمود عباس . فما هي هذه الخطة؟
دولة فلسطينية تتكون من عدة اجزاء من الضفة الغربية، بدون حدود واضحة، وسيادة محدودة للفلسطينيين علي ارضهم. اما المستعمرات الاسرائلية في الضفة، فهي ستبقى تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي، ومدينة القدس تكون عاصمة لاسرائيل وليست عاصمة لهذه الدولة المقترحة، فعاصمة هذه الدولة الجديدة ستكون في حارة ابو ديس شرق القدس، يفصلها حائط عن بقية المدينة، اضافة الى ذلك منع اللاجئين الفلسطينيين او اولادهم من حق العودة .
هذه الخطة ليست ذات علاقة بخطة اذار 2002 المقدمة من العربية السعودية، التي اقترحت اقامة علاقات طبيعية بين اسرائيل وكافة الدول العربية مقابل الانسحاب الاسرائيلي الى حدود عام 1967. ان هذا المشروع يعتبر من اسوأ ما قدم الى الفلسطينيين حتى بالمقارنة بما قدمه الاسرائيليون انفسهم منذ عدة سنوات . (وحسب احد المقربين الى الرئيس الفلسطيني فأن الاميركيين لم يذهبوا الى هذا الحد في صالح اسرائيل وبموافقة العربية السعودية).
لقد تم تحضير هذا المشروع بسرية تامة من قبل اقرب مستشاري دونالد ترامب – جريد كوشنير – زوج ابنته، ومبعوثه الى الشرق الاوسط جوسن كرين بلات، وهما من اكثر المهتمين والداعمين لسياسة انشاء المستعمرات ولسياسة اليمين الاسرائيلي. هكذا مشروع سحق كافة الحلول الرئيسية للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني لمنظمة الامم المتحدة، وبالطبع كان لابد ان يرفض بالكامل من قبل محمود عباس.
استخدم الامير محمد بن سلمان كافة امكانيته لاقناع الرئيس محمود عباس، بأسلوب الترغيب والترهيب، مرة بتقديم كافة الدعم المالي لدولة فلسطين( المستقلة) واخرى بالتهديد بقطع كافة المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية في حالة بقائه على موقفه الرافض. اضافة الى محاولة بث وتمرير اشاعة أن محمد دحلان المنافس لمحمود عباس، الذي يعيش منذ 2011 في الامارات المتحده العربية والذي يحلم ان يستلم مكان الرئيس الفلسطيني الحالي، وهو موجود حاليا في الرياض . ان ولي العهد السعودي يحاول اعطاء اشارة الى محمود عباس ان البديل حاضر ومستعد لقبول المشروع اذا استمر الرئيس على عناده .
امام هذا الارباك في الدول العربية في وجه هذه الخطة المعدة من قبل اسرائيل، بدأت الرياض بالتراجع المرتبك. فقد اعلنت ان لا علاقة لها بهذه الخطة، وان وشنطن هي من قام بها من اجل الضغط على محمود عباس . وفي 18 تشرين الثاني/ نوفمبر اعلنت الادارة الاميركية بانها سوف لن تجدد اجازة مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، التي يتوجب تجديدها كل 6 اشهر منذ عام 1980، من اجل ثني الفلسطينيين من تقديم شكوى الي محكمة العدل الدولية /لاهاي التي لا تعترف بها اميركا ولا اسرائيل – من اجل فتح تحقيق عن مسؤولين اسرائليين في بناء مستوطنات في الاراضي الفلسطينية بالضد من القانون الدولي. وعندما اعلنت السلطة الفلسطينية بقطع كافة الاتصالات مع الادارة الاميركية تراجعت الاخيرة واعلنت ان مكتب المنظمة سوف يظل مفتوحا.
المحاولة الثانية كانت من خلال ممارسة الضغط الدبلوماسي الذي بدء قبل اسبوع عندما اعلن دونالد ترامب عن نيته، كما وعد اثناء حملته الانتخابية، في نقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس الشرقية، ثم اكدها يوم الاربعاء الماضي باعتبار القدس عاصمة لدولة اسرائيل .
- مصير القدس المشمولة في خطه التقاسم عام 1947 تحت نظام خاص عالمي بجانب دولتين يهودية وعربية في المستقبل والمفروض أن تدخل ضمن المباحثات في اسلو لتحديد الوضع القانوني للقدس والذي لم يتحقق.
ان الاعتراف من قبل الامريكيين بأن القدس عاصمة اسرائيل هو اقرار بالضم من جانب واحد والتي حاول بناحيم بيغن 1980 المطالبة بها وهذا انتهاك واضح للقانون الدولي.
الخوف من ايران هو مفتاح التقارب بين اسرائيل والعربية السعودية
لماذا هذا التقارب الفجائي بين اسرائيل والعربية السعودية في خطة السلام الامريكية ؟
لماذا هذه التنازلات الغير سابقة من قبل امريكا الى اسرائيل؟
المفتاح هو في التقارب السعودي-الاسرائلي-الامريكي ضد ايران
ان ايران بالنسبة الى اسرائيل هي العدو الاول، وهذا ما يردده باستمرار رئيس الوزراء نتنياهو بأن ايران سوف تمتلك القنبلة النووية. فحتى بعد التوقيع على الاتفاق التاريخي في تموز 2015 بين طهران ودول الخمسة +1، والذي نص على عدم صنع السلاح النووي، لم يطمئن نتنياهو الذي استمر في التنديد بعدم مصداقية ايران وسذاجة الاخرين الموقعين على الاتفاقية، رغم الالتزام الكامل والقبول بالتفتيش على المواقع الايرانية وحسب الاتفاق من قبل الحكومة الايرانية.
يمكن ان نضيف ايضا، الى جانب الرعب من انتاج السلاح النووي، سواء كان حقيقة ام خيال، تقديم ايران المساعدات المالية وتوفير السلاح لمنظمة حماس، ودعمها المباشر لحزب الله وتزويده بالصواريخ القادرة على ضرب تل اببب من جنوب لبنان بالاضافة الي دور ايران في سوريا الي جانب الروس.
ان القرار الايراني باقامة قاعدتين عسكريتين في جنوب دمشق، اي قرب الحدود الشمالية لاسرائيل، اعتبرته الأخيرة خطا احمر و قامت بالفعل بضرب احدى القاعدتين بالطائرات الاسرائيلية.
رئيس الوزراء الاسرائيلي ومستشاروه وجدوا ان افضل شريك لهم في المنطقة هي العربية السعودية التي تشاركهم العداء لايران رغم كونها مملكة محكومة بالشريعة، وتمول منظمات الاسلام المتشدد منذ عدة سنوات، وخرج اسامة بن لادن منها. فمحمد بن سلمان يطمح الي هيمنة المملكة على المنطقى ويرى ان ايران هي المنافس له. وحتى قبل ان يصبح وليا للعهد، اظهر رغبته في مواجهة ايران اقليميا. ففي آذار/مارس 2015 عندما كان وزيرا للدفاع، عمل على اقامة تحالف سني ضد تمرد الحوثيين في اليمن والمدعومين من قبل ايران.
واستمرارا لمحاصرة ايران والتقليل من تأثيرها على المنطقة عملت الرياض على اقامة تحالف لمقاطعة دولة قطر رغم انها، اي قطر، تدين بالمذهب الوهابي، بسبب علاقاتها بالاخوان المسلمين وايران اضافة الى المشاركة مع ايران باستثمار حقل الغاز في مياه الخليج .
لكن رغبة الأمير الوهابي بالتصدي لتأثير المذهب الشيعي للجمهورية الاسلامية لا يبرر هذا الهجوم الدبلوماسي الواسع للرياض على طهران .
ان التأثير الايراني في العراق ووصول الاكثرية الشيعية للحكم بعد سقوط نظام صدام حسين، والتأثير المباشر للمقاتلين والمليشيات المدعومة من ايران في دعم بشار الاسد في سوريا، كل هذا اصبح بالنسبة للسعوديين بمثابة معطيات ستراتيجية جديدة في المنطقة في طريقها الى التحقق، اي فتح نفق شيعي من طهران الى لبنان مارا بالعراق وسوريا في قلب العالم السني.
يضاف الى ذلك، فأن التوقيع على اتفاقية حظر تصنيع السلاح النووي، اعاد ايران الي حضيرة العالم. كل هذا اصبح في عيون السعودية واسرائيل غير مطمئن لاسباب مختلفة بالنسبة الى الدولتين .
ان رفع الحظر على ايران، من وجهة نظر السعودية، سوف يسمح لها باسترجاع 135 مليار يورو كانت محجوزة في الخارج، سوف تنفق في دعم المليشيات في سوريا والعراق ولبنان وحماس. هذا هي اسباب التقارب السعودي/الاسرائيلي .
كانت بداية انفتاح الدبلوماسية السعودية على اسرائيل من خلال المقابلة التي جرت بين الجنرال غادي ايزكود قائد عام الجيش الاسرائيلي مع موقع ايلاف السعودي والذي اشار فيه الجنرال بانه لم تحدث اي مواجهة بين الدولتين وانهم مستعدون لتقديم كافة المعلومات الى السعودية من اجل وقف التأثير الايراني في المنطقة .
ان مثل هذه الاحكام القادمة من كلا الجانبين لا يمكن الا ان تكون محط فرح ساحر للادارة الاميركية وخاصة انها لم تستطع ان تتخلص من صدمة الرهائن الامريكيين في طهران سنه 1979-1981.
من جانبه اقام جاريد كوشنر، زوج ابنة دونالد ترامب، علاقات ودية مع ولي العهد السعودي من اجل احراز تقدم في الخطة المقدمة من والد زوجته والمعدة من قبله، والحريصة على عدم الضرر باسرائيل. ولاجل هذا يحتاج الى الدعم السعودي لاقناع الجانب الفلسطيني. لكن اعلان ترامب ان القدس عاصمة لاسرائيل يمكن يهدم هذا العلاقه السعودية – الاسرائيلية، بل انه من الممكن ان تؤدي الى تضامن اكبر بين الدول العربية او من المحتمل ان تكون القدس عنصرا مهما في المباحثات القادمة لثني الفلسطينيين.
الجواب في الاسابيع او الاشهر القادمة.