هل آن الآوان حقاً للقضاء على الفساد ومحاكمة الفاسدين ؟! / صبحي مبارك مال الله

سبق وكتبنا العديد من المقالات حول موضوع آفة العراق الكبرى في العراق وهي الفساد والفاسدين ، مذُ كان يحبو في بداية المتغيرات السياسية وبدء العملية السياسية، حيث لم يكن منظّم كما هو الآن عليه، حيث تأسست شبكات ودوائر وحلقات متصلة بعضها بالبعض الآخر، فشكلت بالتالي شبكة عنكبوتية عديدة التفرعات غطت العراق بكامله و تحت تأثيرها ووجودها وتخريبها المستمر حصل للعراق ما لم يحصل لأي دولة أخرى تُنعت بالفساد، من تدمير إقتصادي وهدر للمال العام وتخريب للبنى التحتية والفوقية، وإهانة الشعب العراقي بهذا الأسلوب المنظّم. فمن جراء الفساد وإنتشاره كسرطان قاتل، أصيب المجتمع العراقي بالإحباط واليأس وهو يرى بعينيه كيف تنهب أمواله وتهرّيبها إلى خارج الحدود، بدون رادع أو تشريعات رادعة في الوقت الذي كان الشعب العراقي يعيش ظروفا صعبة ومعقدة من ناحية الأوضاع الإجتماعية والأقتصادية والسياسية. لقد أفرز الفساد وجيشه الجرار، الفقر والجوع بعد إن أرتفع خط الفقر، وإزداد حجم البطالة، وتفشي الأمية، وإنعدام الخدمات، وتدهور الوضع الصحي مع إزدياد البطالة المقنعّة وتوقف النمو الإقتصادي والقضاء على البنى التحتية للإنتاج الزراعي والصناعي. كما شاهدنا ورأينا، المشاريع الوهمية والتي نُفذت على الورق فقط ووضع أموالها المخصصة في الجيوب. فمنذُ ثلاث عشرة سنة والعراق يعيش ظاهرة الفساد المزمن حيث ضرب بجذوره الطفيلية في تربته بحيث أصبح القاعدة وليس الإستثناء وأول عمل قامت به شبكته الطفيلية والمافيوية هو ضرب القيم الإخلاقية والمجتمعية وتحويل أبسط موظف إلى فاسد. من المسؤول عن هذه الظاهرة ؟ وكيف تمّ التخطيط لها بهذا الشكل المنظم الدقيق بحيث لم تسلم دائرة من دوائر الدولة منها وفي أبسط حلقاتها . لقد كان الشعب ينتظر من آولئك المدعين بالوطنية والذين أصبحوا قادة جدد على رأس الهرم الإداري، الإنجازات الكبيرة بدافع الغيرة والوطنية الحقيقية حسب ما كان آولئك المدعون يصرحوان به قبل سقوط النظام الدكتاتوري لبناء العراق الجديد، عراق الديمقراطية والعدالة الإجتماعية لتعويض الشعب ما أصابه من ضيم وظلم وقهر وإضطهاد وإستبداد وتخلف من النظام الدكتاتوري الشمولي السابق، ولكن خاب ظن الشعب بهم و للأسف، الذي حصل يدمي القلوب حيث وقع الشعب العراقي د وقع كصيد ثمين داخل شبكة الفساد العنكبوتية برعاية إقليمية ودولية . ولم يكتفوا بذلك بل مهدّوا السبيل للإرهاب وداعش بأن يسيطر على ثلثي مساحة العراق، وهنا الطامة الكبرى فبعد نهب الثروات العراقية التي لا تقدر بثمن إرتكبوا جريمة الخيانة العظمى، تحرك الموت الأسود وبدون رحمة من قتل وذبح وتدمير للمدن وقتل كل شيئ حي فحصل التشرد والتهجير والنزوح الكبير للملايين من أبناء الشعب تحت اللافتات الدينية المزيفة، ألم يكن الفساد هو الوجه الآخر للإرهاب؟ ولهذا فالقضاء عليه ليس بالسهولة التي نتوقعها بعد أن أصبحت رؤوس الفساد هي من السياسيين الكبار والذين يحكمون البلاد. إن من أبرز العوامل التي ساهمت في الفساد هو شكل النظام السياسي الذي إعتمد المحاصصة الطائفية والسياسية والإثنية والذي سمح للفاسدين إن يعملوا بحرية إستناداً للحزبية الضيقة والمحسوبية والمنسوبية ووضع المؤسسات الرسمية الإدارية و القضائية خلف ظهورهم لايعيرون لها أهمية. فالحكم ليس حكم القانون والدستور والمؤسسات الشرعية بل أصبح الحكم بجهود الفاسدين حكم الحزب والعشيرة والعائلة والنفوذ بدعم مالي كبير. ومن قواعد الفاسدين وكما تشير اليها التحليلات الدولية، توظيف السلطة لممارسة الفساد، وتوظيف الفساد لبلوغ السلطة. ولهذا لوحظ كما جاء في التقارير عن الفساد في العراق (بأن سبب الفساد في العراق هو فساد الساسة فالفساد السياسي هو أكبر أنواع الفساد ، وإختصاص للطبقة السياسية المتنفذة فالسياسيون هم الذين يحتكرون هذا النوع من الفساد ولهذا نجد إن السياسيين الكبار في العراق هم من الأوائل الذين تحاصرهم تُهم الفساد. يقول موسى فرج رئيس هيئة النزاهة السابق (لقد خرجت من الوظيفة بعد عشر سنوات ولم يكن أحد راضياً عني لا من الأمريكيين ولامن أفراد الطبقة الحاكمة). هناك أنواع من الفساد ولكنها مترابطة بالمنفعة العامة والخاصة وهي الفساد (السياسي، الإداري، المالي) وبالرغم من وجود هيئة النزاهة، والنزاهة النيابية ، ودائرة المفتش العام، وديوان الرقابة المالية ) إلا إنها جميعاً مسيطر عليها من قبل رؤوس الفساد الكبيرة وأحزابها. فالعراق يحتل المرتبة 166 في قائمة مكونة من 176 دولة (المصدر من التقرير الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية نهاية كانون الثاني الماضي عن حالة الفساد في عام 2016) وتقرير سابق (لوكالة الصحافة الفرنسية فأن الأموال المنهوبة في العراق خلال 13 سنة الماضية بلغت 312مليار دولار) . التقرير السنوي الصادر عن هيئة النزاهة العراقية في آب /الماضي كشف إسترجاع أكثر من 838 مليار دينار عراقي من أموال البلد المنهوبة والمهدورة . فالأموال المستردة لاشيئ بالنسبة لمجموع الأموال المسروقة. لقد تغلغل الفساد في عدة مجالات إدارية ونشاط تجاري وتتوزع على عقود المشاريع الوهمية ونهب أموالها المخصصة، الترهل الإداري وتسمية موظفين فضائيين غير موجودين ونهب الرواتب المخصصة ، جنود فضائيون ونهب رواتبهم المخصصة، الإيفادات والمرافقين غير الموجودين أساساً، تنفيذ مشاريع ليست ذات أهمية للمواطن، عقود وزارة الدفاع والتسليح، عقود مشاريع الكهرباء الوهمية، مشاريع الخدمات غير المنفذة، الكمارك، الضرائب، المواد الغذائية المستوردة، الموانئ، المنافذ الحدودية، النقل، البطاقة التموينية، الأموال المخصصة للمهاجرين، الأدوية، الرشا،..الخ والسؤال كيف سيتم القضاء على الفساد؟ في 11آب عام 2015 صوّت مجلس النواب على حزمة الإصلاحات لمجلس الوزراء والتي تقدم بها السيد حيدر العبادي، كما تمّ إقرار حزمة الإصلاحات النيابية التي تقدم بها رئيس المجلس سليم الجبوري ولكن لم تثمر القرارات عن شيئ يذكر بسبب هيمنة الفاسدين .موسى فرج رئيس هيئة النزاهة السابق قال هناك شرط لمواجهة الفاسدين وهو الرأي العام يتولى مجابهة الفاسدين ومقاومتهم . كما إن السيد العبادي يحتاج إلى الدعم الدولي والحراك الشعبي ويقول العبادي أمام الفاسدين أحد خيارين تسليم ما سلبوه للدولة والعفو عنهم أو يقضوا بقية حياتهم في السجن، كما تقرر إستقدام 21 محققاً دولياً بالتعاونمع الأمم المتحدة ومنحهم كامل الحرية في فحص الملفات والوثائق في كل الجهات الحكومية التي تستدعيها الحالة وهذا يفترض إن يكون لدى الخبراء والمحققين الدوليين أذرع خارج العراق للحصول على المعلومات. هناك رأي بأن غالبية المعلومات المتعلقة بتهريب العملة والفساد موجودة لدى الولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى .صحيفة الغارديان البريطانية كتبت لا أمل بإصلاح الفساد في العراق، اياد علاوي يقول هناك كيانات منظمة للفساد تدير البلاد بغض النظر عن المليشيات. لا توجد سلطة في العراق قادرة على اتخاذ أي خطة ضد الفساد !! والسيد العبادي يقول أخطر من الإرهاب معركة الفساد في العراق، عبد الكريم عبطان عضو لجنة النزاهة يقول العبادي لا يستطيع القضاء على الفساد لوحده عليه إن يستند إلى السلطة التشريعية ويعتمدعلى الخبرات، كما يؤكد على التخلص من البيروقراطية الزائدة التي عرقلت محاولات القضاء على هذه الآفة .وحسب التقارير والتصريحات، ينتظر الفاسدون ضربة قوية توجه لهم قبل إنعقاد مؤتمر المانحين في الكويت الشهر المقبل لتقديم ضمان للدول المانحة والمستثمرة بأن الأموال التي ستنفق لن تذهب إلى جيوب الفاسدين. كما إن التعاون مع الشرطة الدولية (الإنتربول) فضلاً عن التعاقد مع خبراء من دول مختلفة وذلك لمساعدة العراق في كشف ملفات الفساد. أذن الشعب ينتظر ساعة الصفر لضرب الفساد والفاسدين ولضمان وقفة الشعب العراقي ضرورة تنظيم حملة وطنية تشمل كل العراق لمكافحة الفساد من خلال حملة إعلامية تستعمل كل الأدوات السمعية والمقروءة والمنظورة كما يجب إن تتم المحاكمات لحيتان الفساد بصورة علنية وضرورة توفير الحماية الكافية للقضاة والمحققين وشهود الإثبات مع العلم هناك رأي يقول بعدم قُدرة الجهات القضائية الحالية على محاسبة الفاسدين. المعركة ضد الفساد هي معركة وطنية وعلى الجميع المشاركة فيها فإن مايحصل هومخطط جهنمي بتحميل العراق وشعبه بإحمال ليست له طاقة على حملها والتي بدأت من الحروب والفتن الطائفية إلى ضرب الوحدة الوطنية. الفساد مرض وبائي لابدّ من القضاء عليه.