أداؤنا الانتخابي والحاجة إلى تقييم موضوعي / حيدر شيخ علي *

تعد الانتخابات من الانشطة السياسية الاكثر ديناميكية والتي تعبر نتائجها بالارقام عن نفوذ هذا الحزب او ذاك بين المجتمع، وعن القناعة التي يوفرها للاوساط التي يمثلها، ويستهدفها في حملته الانتخابية.
ومن هذا المنطلق جاءت النتائج التي حصلت عليها قائمتنا ("ازادي" قائمة الحزب الشيوعي الكوردستاني) في انتخابات برلمان اقليم كوردستان، التي جرت يوم 21 ايلول 2013، متواضعة ولا ترتقي الى آمال رفاقنا واصدقائنا. وقد أثارت تلك النتائج المتواضعة العديد من الاسئلة، تقتضي المسؤولية منا الاجابة عليها، بجرأة وشجاعة ووضوح، بغض النظر عن مصدر هذه الاسئلة والغايات التي تقف خلفها. وذلك لان الحزب مؤسسة وطنية تعنى بالشأن العام، وهو بهذا المعنى ليس ملكا لأعضائه وحسب، بل ولأصدقائه ومريديه وجميع مواطني كوردستان والعراق، سيما من قوى اليسار بجميع اتجاهاته، الذين لهم الحق في معرفة وجهات نظرنا حول ذلك. لذا نشعر بأهمية النقد والملاحظات التقويمية التي طرحها الأصدقاء، وعليه لا بد من التوقف عند نتائج الانتخابات والتعرف على الاسباب التي تقف دون ان يحقق الحزب ما تتطلع اليه عيون وقلوب مؤيديه ورفاقه.
وانطلاقا من المنهج الجدلي الماركسي في البحث والتحليل، يتوجب التعرف على الظروف الموضوعية والذاتية المحيطة بالحزب، وتلك التي رافقت عمله وانعكست على نشاطاته، وكذلك الاوضاع التي شهدتها الانتخابات وإدارتها، والموارد البشرية والإمكانيات المادية، مرورا بالمنافسين وطبيعة نشاطهم.
وعند الحديث عن الظروف الموضوعية لا ينبغي تصور اننا نهرب من مواجهة الواقع، بل ان عدم طرح ذلك هو تهرب من التعرف بشكل علمي وعملي على ملابسات الواقع الذي ينشط فيه الحزب. فالتقييم الموضوعي يتطلب الاحاطة بالموضوع من جميع جوانبه، وعدم اغفال اي جانب منه. لذا لا يمكن تصور بحث النتائج وتقييمها، دون التوقف ولو ببضع كلمات عند ما أصاب الحركة الشيوعية من انتكاسة، تركت وستترك اثارا سلبية لفترات قادمة ايضا. كذلك تأثيرات الحروب والعدوان والحصار والاقتتال الداخلي، واقتسام السلطة مناصفة بين الحزبين الحاكمين، وترسيخ سياسة المحاصصة، وما وفر ذلك لهما من امكانيات بشرية كبيرة ومالية واسعة، استثمروها في تقوية مواقعهم في المجتمع، كذلك آثار السياسة الريعية على المجتمع، حيث ساهمت في حرف الصراع الاجتماعي في الاقليم وتشويهه. هذا الى جانب التغيرات التي طرأت على المجتمع الكوردستاني، وطبيعة الصراع السياسي- الاقتصادي - الاجتماعي الدائر وإدارته، والاستقطاب السياسي في المجتمع. كل ذلك، وغيره مما لا يتسع المجال للاستطراد به عرضا وتحليلا، أثر بالتأكيد، بهذا الشكل او ذاك، على مجمل الاوضاع العامة.
ان التوقف عند تلك القضايا وتشابكها وترابطها مع اوضاعنا الداخلية والتي تكتنفها مصاعب ومشاكل خاصة بها اصلا، هو ضرورة لا بد منها بهدف التغلب على الصعوبات والتحديات التي تواجه عملنا والتعقيدات التي تحيط بنشاطنا. وذلك من اجل تحقيق نتائج تليق بحزبنا وتاريخه المخضب بالكفاح، وعطاءاته المتواصلة من اجل حقوق وحريات المواطنين وحاجاتهم المعيشية والحياتية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وان نحقق في قادم الايام نصرا يرسم الفرح في قلوب الطبقات والفئات الاجتماعية التي نمثلها.
لذا يتطلب الامر منا الاجابة بكل جرأة وبدون مواربة، على الأسئلة التي طرحها اصدقاؤنا ورفاقنا حول اسباب التراجع ومكامن الخلل: هل هي في السياسة التي نتبناها؟ ام في أدائنا عند تنفيذ تلك السياسة؟ أم في كليهما؟ ومن هي الجهة المسؤولة عن ذلك؟ وما هي الخلاصات التي تساعدنا في تحويل التحديات الى امكانيات؟ وكيف لنا ان نوقف هذا التراجع ونحوله الى تقدم باتجاه تعزيز قوانا؟
بطبيعة الحال هناك عوامل عديدة تقف خلف هذه النتيجة المتواضعة التي حصلنا عليها، ولا يمكن حصر ذلك بعامل واحد فقط. ومن بين اهم العوامل العامل السياسي، حيث يبدو ان سياستنا تشوبها الثغرات، الامر الذي يتطلب إجراء مراجعة شاملة لمواقفنا. والأمر الآخر هو ان علينا التوقف امام تحالفاتنا، التي يجب ان تضيف امكانيات لنا لا ان تثقل كاهلنا. وكذا الامر في موضوعة اشتراكنا في الحكومة، فهل استطعنا من خلالها التعبير عن برنامجنا؟ وهل لبينا من خلالها مصالح الناس الذين منحونا الثقة؟ وهنا علينا اجراء جرد حساب شامل وبتجرد وبعيدا عن الشخصنة.
لا بد من تحديد رؤيتنا العامة والهدف الذي نسعى للوصول اليه. فهل الهدف هو الحصول على مقعد واحد؟ ام وضع رؤية واقعية لما يهدف اليه حزبنا في هذا الظرف الملموس، ينطلق من الامكانيات الواقعية التي بأيدينا؟ وإذ أطرح هذه الاسئلة التي تبحث عن اجابات دقيقة وملموسة وموضوعية، ابتغي من ذلك هدفا واحدا أساسيا هو اجراء تقييم شامل يساعد الحزب على الخروج من هذه الخسائر التي لا تليق بتاريخه وعطاءاته، ومن اجل حزب حيوي نابض بالنشاط، مدافع عن الناس، مُتبنٍّ لقضاياهم بشجاعة وبقوة. ومن اجل تجنب الخطأ، لا يمكن حصر التقييم بفترة الحملة الانتخابية، وما رافقها من خطاب انتخابي. انما الصحيح هو ان يشمل التقييم السنوات التي سبقت الانتخابات، لان الانتخابات هي تتويج لحصيلة جهد الحزب ونشاطاته في السنوات الماضية. وهنا يجدر بنا استحضار تقييماتنا السابقة، سيما ونحن خرجنا قبل سنة تقريبا من مؤتمر لا زالت تقييماته ماثلة امامنا. والسؤال هو كم من هذه التقييمات وجد حضوره في حملتنا الانتخابية؟ ومنها التحدي الذي وضعناه امامنا والقاضي بتحويل حزبنا الى حزب انتخابي.
من الخطأ خوض الانتخابات مع حصر الهدف بالحصول على مقعد واحد فقط، بينما عمل الحزب أوسع من قطف مقعد، رغم اهمية ذلك. اعتقد اننا نحتاج الى وضع رؤية واقعية لما يهدف اليه حزبنا في هذا الظرف الملموس، تنطلق من الامكانيات الواقعية التي في أيدينا. ويتطلب الامر بحث مدى قدرتنا على اختيار مفردات برنامجنا بدقة. فهل كان يلامس حاجات الناس ويعبر عن مصالحهم؟ وهل عبرنا في البرنامج عموما بلغة بسيطة ومفهومة للناس؟ وكذا الامر بالنسبة الى رسالتنا الانتخابية: ماذا اردنا ان نوصل من خلالها؟ هل امتازت بالوضوح والترابط؟ وما مدى مقبو?يتها من طرف الناخبين؟
وتجدر الاشارة الى ما يمكن ان تعبر عنه الانتخابات ليس كاتجاهات سياسية وحسب، وانما كاتجاهات فكرية كذلك، مع اتساع الهوة بين شريحة صغيرة اغتنت بشكل ملفت، وفئات وشرائح لا زالت في وضع معيشي وحياتي لا تحسد عليه، ما انتج مشاعر قلق وسخط وعدم رضا عن الاوضاع، التي لخصها الصراع الانتخابي، وجندت لاجله الاحزاب الساعية لتمثيل اوسع قطاعات المجتمع كل امكانياتها . ولا بد ايضا من مراجعة الخطاب السياسي للحزب وقدرته على التعبير عن الفئات الاجتماعية التي نمثل مصالحها. فمن رأيي ان خطابنا لا زال بعيدا في مستواه عن عقول وقلوب الكادحين من شعبنا، حيث لم نقترب من تناول متطلباتهم وحاجاتهم بصورة جريئة كما ينبغي. كذلك لم نركز على القضايا التي يئن منها المجتمع الكوردستاني تحت وطأتها، ومنها الفساد والمفسدون، والخلل في حصر القرار السياسي للاقليم بيد الحزبين دون مشاركة حقيقية من غيرهما. فهل يا ترى يكمن الخطأ في خطابنا السياسي، ام في عدم وضوحه، ام في عدم قدرتنا على إيصاله، ام في كل ذلك؟ ان تشخيص اي حالة من هذه الحالات، يتطلب طريقة خاصة للحل، فربما سياستنا صحيحة، لكن الخطاب ونبرته التي نعبر من خلالها عنه غير ملائمة، او ربما سياستنا صحيحة، وخطابنا مناسب، لكن وسائلنا غير قادرة على ايصاله للناس.
اعتقد جازما ان هناك امكانية لخوض الانتخابات ضمن تحالف ديمقراطي ذي بعد اجتماعي، يضم قوى منظمة وشخصيات، سيما وان هذا التوجه هو من بين احد مقررات مؤتمر الحزب الاخير. وعندما تعذر وجود هذا التحالف في فترة الانتخابات، كان يمكن التعويض عنه بالانفتاح على شخصيات سياسية مستقلة، ومفاتحتها وضمها الى قائمتنا، كي نضيف لها قوة سياسية وبعدا اجتماعيا أوضح وجماهيريا اكثر.
وهكذا أرى ان التقييم يجب ان يستند على خطتنا الانتخابية، ومدى تحقيقها الهدف المرسوم. واعتقد انه كان من بين الاهداف ان نظهر كمدافع حقيقي عن مصالح شغيلة اليد والفكر، ونعمل ونتحرك وسط الجماهير لنستمع الى مطالبها، ونتبنى حاجاتها، وندافع عن مصالحها، بحيث نكون اقرب ما يمكن الى نبض الشارع. فهدفنا الاساسي هو زيادة ثقلنا السياسي في مراكز القرار، الى جانب توسيع دائرة التواصل الحي والمباشر مع الناس عبر مختلف الفعاليات والنشاطات، حيث نتواجد في مواقع العمل ومجالات النشاط المدني والمهني والاجتماعي وفي الإحياء السكنية، وم? عوائلنا والأوساط القريبة منا.
ان تقييم أداء الحزب وتحسين هذا الاداء هو واجب كل الشيوعيين واصدقائهم، وكل الحريصين على التغيير الاجتماعي، الضامن لحقوق كادحي شعبنا، وهذا هدف كبير، عزيز ونبيل ومهم. ومن المؤكد ان مسؤولية التغيير والتجديد الاساسية تقع على كاهل اعضاء الحزب، فالمطلوب في نهاية المطاف هو إجراء تقييم دقيق هدفه الكشف عن الاسباب والعوامل الموضوعية والذاتية التي أدت الى هذه النتائج دون غيرها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب ان يتوج مثل هذا التقييم بخلاصات وتستخلص منه دروس تتم الاستفادة منها في الحملات الانتخابية القادمة. وفي كل الاحوال، يجب ان يتم التعامل مع آراء الرفاق بشأن نتائج الانتخابات ضمن الأطر الحزبية، بعيدا عن التربص والمواقف المسبقة المعروفة الغاية والهدف، وان يدار الصراع الفكري بشكل صحيح، وبطريقة تمكن الحزب من التغلب على مصاعبه وثغرات عمله والعودة قويا وموحدا. وان كل محاولة تجري خارج هذه الأطر تشكل اضعافا للحزب، وبالتالي تأبيدا لسيطرة "الكبار" على المشهد السياسي في كوردستان. فمن الضروري اتباع الوسائل الصحيحة والطرق الاصولية في تحقيق الاصلاح المطلوب، والتكاتف ورص الصفوف، وهذا اهم درس تعلمناه من التاريخ.
ليست النتيجة المتواضعة التي حصلنا عليها نهاية المطاف لحزب تبنى التجديد والتحديث والتطوير، حزب يحمل موضوعة العدالة الاجتماعية كخيار انساني، يحقق من خلاله التوزان لبعدي الديمقراطية، السياسي والاجتماعي، حيث الحريات والحقوق والضمان الاجتماعي، وجميع ضمانات حفظ الكرامة الانسانية، حزب يتجه نحو بناء الدولة المدنية العصرية، ويتبنى التحديث والتجديد، ويرسم ملامح مستقبل عادل، ويعمل من أجل وطن حر وآمن وسعيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* قيادي في الحزب الشيوعي الكردستاني