الكابس العلمي / د.علي إبراهيم

قد يستغرب القارئ الكريم من هذا العنوان الملفت والمتداول بين أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات العراقية. ولا أدري هل هو متداول في الجامعات العالمية، في الحقيقة أنني لم اسمع به، واستعنت بزملائي ولم يخبرني أحد بمعرفته بذلك، وحاولت عن طريق الإنترنيت ولم أفلح، عرفت فقط أن هذا النظام كان متبعا في زمن الدكتاتور المقبور، ثم الغي بعد التغيير. ولكن أعيدت له الحياة قبل بضعة أشهر وسط رفض واستهجان الأساتذة والأساتذة المساعدين الذين حصر الأمر بينهم.
والرفض والاستهجان متأتيان من طريقة تنفيذ المكلف بهذا العمل (الكابس)، حيث يجري تشخيصه من الوزارة وبشكل سري، ويذهب لحضور مناقشة رسالة ماجستير أو دكتوراه ويكتب عنها تقريرا سريا يرسله إلى الوزارة مباشرة. وهذا العمل يذكر الجميع بدور المخبر السري أو رجال الأمن المنبوذين في زمن العهود القمعية السالفة. مع العلم أن المناقشات تجري علنية، مسجلة (صورة وصوتا) وبحضور نخبة من الأساتذة، وغالبا ما يحضر عميد الكلية ورئيس القسم وفي أغلب القاعات توجد كاميرات مراقبة كما هي موجودة في قاعات المحاضرات.
ان هذا الأسلوب القديم – الجديد مرفوض لأنه يحط من شأن اللجنة المناقشة، التي يجري اختيارها بدقة وحسب الاختصاصات العامة والدقيقة وبأمر إداري. وقبل هذا وذاك تخضع الرسالة أو الأطروحة إلى مقوم علمي متخصص أيضا. ولكن وجود الكابس يضعف الثقة بهؤلاء كلهم.
لا أريد أن أقلل من دور الرقابة العلمية، خاصة والبلد يمر بمرحلة صعبة يتربع فيها الفساد المالي والإداري في كل أجهزة الدولة ولا أستثني الصروح العلمية التي دخلها ضعف الأمانة العلمية من أبواب عديدة... ولعل من أهمها الاستثناءات في القبول في الدراسات العليا خلافا للثوابت والضوابط العلمية. ولكن هناك طرقا كثيرة تحقق نزاهة العمل غير طريقة الكابس، الذي ربما يشكل مدخلا آخر مضرا وبعيدا عن العلمية، لاسيما ونحن لا ندري كيف يتم اختياره. فالنماذج التي عرفناها ليست مستوفية للعلمية، فكيف يمكن أن يكون الكابس العلمي أقل درجة م? رؤساء اللجان أو أعضاء اللجنة وليس من المختصين في الموضوع الموكل إليه بالمراقبة.؟
اعتقد إن الإجراءات التي تتخذ في تقويم الرسائل والأطاريح الجامعية، والمراقبة الدقيقة ابتداء من المشرف إلى المقوم العلمي إلى الوزارة إلى اللجنة المناقشة إلى رقابة لجنة الدراسات العليا في القسم والمعاون العلمي في الكلية، هذه محطات ومجسات تكفي للرقابة إذا كانت العلمية هي السائدة في التقويم بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية، والارتياح الشخصي ومجاملة المشرف أو القسم. وإذا لم تتوافر هذه الضوابط، فلن يستطيع الكابس العلمي أن يفعل شيئا، وربما يتحول إلى حلقة جديدة من حلقات الفساد والتنكيل بالشرفاء من الأساتذة الأفاضل.
مع اعتذاري للزملاء المخلصين، أولئك الذين ينفذون المهمة خلافا لقناعاتهم.