البرامج التنفيذية تقدم إلى الوراء! / رياض عبيد سعودي

أطلقت الدولة بوزاراتها ومجالس المحافظات الكثير من المبادرات والحملات الوطنية مثل الحملة الوطنية لمكافحة الفقر, وأخرى لمواجهة الفساد، وحملة وطنية للإسكان وغيرها لمكافحة الأمية، وسواها كالمبادرة الزراعية، الى غير ذلك مما لا إحصاء دقيقا لعددها وطبيعتها خلال السنوات العشر منذ عام 2003 ولحد الآن.
ومن المؤسف ان كل هذه الحملات لم تحقق نسبة معقولة من أهدافها لتصبح بعد ذلك شعارات على الجدران او إشارات على خطوط التايتل في بعض القنوات التلفزيونية.
وفي السياق ذاته، فان الوزارات والحكومات المحلية، رغم مرور فترة ليست بالقصيرة ما زالت نسب تنفيذها لبرامجها الاستثمارية ضعيفة جداً، فهي على سبيل المثال لم تتعد في أحسن الاحوال نسبة ما بين 30 بالمئة ما يجبر هذه الجهات على إعادة تخصيصاتها الى وزارة المالية وتفويت فرصة تنموية وتحميل الاقتصاد فرق ارتفاع كلف واسعار تنفيذ المشاريع. وهي حالة ستتكرر سنوياً حتى في ظل الحكومات التي ستأتي بعد الانتخابات ولفترة ليست قصيرة بسبب كون العوامل المغذية لها مستمرة، ولا نجد ان تأثيرات الاجراءات الحكومية نافعاً في إحداث تغيير اي?ابي حقيقي، فتأخر إقرار الميزانية في البرلمان عام 2013 ثلاثة اشهر من شأنه تأخير تنفيذ البرامج التنموية في جميع انحاء العراق، وهذه سمة تكررت في الاعوام التي سبقت ذلك. وفي كل مرة يبدأ الايعاز بالصرف للأشهر الثلاثة الاولى من العام وهذا يؤخر طبعا عمليات ما قبل التنفيذ وما بعده. كذلك فان ضعف الجهاز الاداري وافتقاره الى الكفاءات والقدرات التخطيطية والتنفيذية التي يمكنها ان تسير بعملية التنفيذ باقصى سرعتها وهذا ما لم يتوفر للعدد الكبير من القطاعات التنفيذية، يضاف الى ذلك تفشي الفساد وعلى مساحة واسعة من جهاز الدولة?ليصل الى الوزير ورئيس مجلس المحافظة وعضو المجلس والمدير العام مما يخلق تعقيدات لا تستطيع الشركات الاجنبية القديرة والأجهزة التقدم في ظلها، لأنها لا تجد إمكانيات تغطي حالات الفساد المطلوبة منها في ظل قوانين وتعليمات بلدانها. ولذلك تعزف عن التقدم للمشاركة في التنفيذ وهذه حقيقة تلمسها كل أجهزة الدولة، ولا تنفع معها توسط الحكومة لدى حكومات الدول الأخرى حيث لا تجد الحكومة غير الوعود بدون تنفيذ حقيقي. ومن الاسباب الأخرى لهذا التواضع في الاداء هو غياب جهة مركزية حكومية تمتلك خبرات وطنية وأجنبية في الادارة والتنفي?، تساعد القطاعات الحكومية ومجالس المحافظات في تنفيذ برامجها التنموية، ويضاف الى ذلك عامل آخر مهم جدا وهو الإحساس بالعقدية من الكوادر الكفوءة وإبعادها عن المواقع التي تستحقها لحساب مرشحي المحاصصة الذين لا يمتلكون الخبرات الضرورية لإدارة التنفيذ، وهذا أمر خطير ليس من السهل معالجته في الأمر القريب.
إن من بين أهم العوامل التي تدفع باتجاه عدم الاهتمام بالتنفيذ هو ضعف الرقابة المركزية من قبل مجلس النواب والعجز عن أداء دوره الرقابي كما ينبغي ان يكون. والحكومة لا تملك هي الأخرى جهازا رقابيا يمارس صلاحياته بكفاءة ومهنية عالية بعيدا عن تأثير السياسة ومتطلبات المحاصصة التي أفقدت الاقتصاد الكثير من أدواره وآثاره في دفع وتعزيز عملية البناء والتقدم.
إن من الملاحظ بوضوح ان الحكومة الحالية رغم مرور ثماني سنوات منذ توليها المسؤولية لم تكن على مستوى مرض من الكفاءة في الأداء وكذلك مجالس المحافظات السابقة لا نجد ان هناك تغيرا هاماً سيطرأ على أداء المجالس المنتخبة حديثاً لاستمرار العقد والمشاكل التي عرقلت مسيرة التنفيذ وما زالت تأثيراتها مستمرة، ولذلك ينبغي البحث عن صيغ جديدة والاستعانة بالقدرات الوطنية لوضع مؤشرات قياس كفاءة الأداء وإجراءات المحاسبة في ضوئها.