العراق 2014؛ عام آخر في حروب القوى الإقليمية والعالمية / رشاد الشلاه

رحل العام 2013 مخلفاً للعام الجديد "2014" تركة مزيد من الصراعات الطائفية في اكثر من بلد عربي، و الساحتان العراقية والسورية هما الاكثر توتراً و تصعيداً. هذا ما تؤكده الاحصاءات العديدة عن تبعات هذه الصراعات على الاوضاع السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية المزرية. واذا كانت السمات المذهبية هي التوصيف الواقعي لمجتمعي هذين البلدين، والصراع المرير على السلطة فيهما، فإن تأثير النفوذ الاجنبي خلال العقود الأربعة المنصرمة وخصوصا في العراق، هو المؤجج لحدة هذا الصراع واتخاذه طابعاً دموياً تتسع امتداداته داخلياً واقليمياً. وما التقرير الذي نشرته صحيفة "الاندبندنت" البريطانية يوم الاحد 29 /12/2013، والذي يشير مباشرة الى دور السعودية وأكثرية دول الخليج في سعيها، بما تملك من ترسانة مالية هائلة، لإذكاء الفتن والإحتراب الطائفي في اكثر من بلد وفي المقدمة منها العراق وسوريا، الاّ تأكيد اضافي يعزز ما شخصه مراقبون عديدون لهذا الدور، والذي تشترك فيه ايضاً ايران وتركيا والولايات المتحدة واسرائيل.
ورغم الإختلاف والتباين والصراع الخفي والمعلن ما بين دول الخليج على قضايا عديدة سياسية واقتصادية وعقائدية، وكذا الحال ما بين الدول الإقليمية وبين المصالح الدولية، الاّ ان الدول الخليجية وتركيا من جانب وايران من جانب آخر، يجدون في إذكاء هذه الصراعات العبثية والدموية، منفذا لتحقيق مصالحهم الخاصة، دون اي اكتراث لمصلحة الشعب العراقي وحقة في العيش الآمن والتآخي بين مكوناته المتعددة، وحرية اختيار نظامه السياسي الذي يرتئيه.
ولكن، وفي خضم حمامات الدم اليومية التي يمول منفذوها من قبل هذه الاطراف الخارجية، وبسخاء، يتكرر سؤال ملح حول مآل تأجيج هذه الصراعات المرشحة للاندلاع أيضا في اكثر من بلد مجاور للعراق، والى اين سترسو عواقبها، وهل جوهرها صراع مذهبي بين السنة والشيعة حول مراكز المال والنفوذ؟
محللون سياسيون عديدون يؤشرون الى أن دوافع اذكاء هذه الصراعات، وتجنيد وسائل التعبئة والاعلام لبث الكراهية واشاعة الحقد الدفين ثم الرعب بين أتباع كل طرف منهما، هي دوافع سياسية، ابرزها الصراع على تبوء قمة النفوذ السياسي في هذه المنطقة الحساسة والحيوية والغنية بالثروات الطبيعية، وكذلك لدرء خطر وصول هشيم نار التمرد الجماهيري عن هذه الأنظمة الغاشمة. ولذلك لجأت هذه الأنظمة المتصارعة الى سلوك مجرب، هو اسلوب توجيه اهتمام شعوبها الى خطر خارجي، فوجدت في اثارة الضغائن المذهبية والعقائدية ضالتها. وكان هيناً عليها صناعة وتمويل التشكيلات المسلحة تحت تسميات اسلامية عديدة منذ ابتكارها مرتزقة " طالبان" في تسعينات القرن الماضي وحتى المجموعات الارهابية المسلحة الاخيرة في العراق وسوريا مروراً بتنظيم القاعدة.
واذا كانت اللائمة في استمرار تدهور الأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار السياسي في العام الجديد 2014، تلقى على التدخل المباشر وغير المباشر في الشؤون الداخلية، فإن المسؤولية الأولى تتحملها القوى السياسية العراقية التي رهنت مواقفها وسياساتها ومن ثم ارادتها الوطنية بمصالح دول الخليج والدول الاقليمية والعالمية، البعيدة كل البعد على مصالح العراق الوطنية بل وبالضد منها.