التحلل في سياسة توزيع الدخول / رياض عبيد سعودي

أشارت المعلومات المتداولة في الاعلام الحكومي إلى أن متوسط نصيب الفرد العراقي من الدخل القومي لعام 2013 وصل إلى (4500) دولار وسيرتفع في غضون السنوات الثلاث المقبلة إلى (6000) دولار، وهذا يشير إلى حقيقة مهمة وهي ارتفاع مقدار الحيف الذي يصيب المواطن الذي لا يزيد دخله النقدي على نسبة (30) بالمئة من هذه الأرقام، مع خدمات صحية متواضعة جداً وخدمات بلدية سيئة وكهرباء متدنية واسعار ترتفع سنوياً مهما كانت نسبة تلك الزيادة وهكذا بقيت مفاصل مستوى المعاش للإنسان العراقي.
ومن جانب آخر، فان مساحة شريحة الفقراء في المجتمع العراقي على فرض قبول مؤشرات وزارة التخطيط التي هي أدنى من مؤشرات الأمم المتحدة؛ انخفضت من (6.900) مليون مواطن الى (6.300) مواطن أي بواقع (600) الف إنسان وذلك في حزيران 2012 ورغم التحفظ على أرقام وزارة التخطيط فأن شريحة الفقر لم تنخفض بدرجة مقبولة فعمل الحكومة خلال مدة تزيد على ست سنوات لم يستطع أن يعالج أوضاع أكثر من (0.07) بالمئة لأسباب كثيرة وهي ضعف التخصيصات المالية لتنفيذ خطط مواجهة الفقر وتأخر إطلاقها إلى جانب ضعف برامج إصلاح الخدمات الصحية والبلديات ال?ربوية وتفشي البطالة التي وصلت نسبتها حسب المصادر الحكومية على (16) بالمئة وتلكؤ الحصة التموينية عن بلوغ غاياتها الأساسية في إيصالها إلى المواطن بانسيابية عالية مؤمنة شهرياً رغم الوعود بتحسينها.
وفي الحقيقة؛ فأن عوامل أخرى كثيرة ساعدت هي الاخرى على استمرار مستويات الفقر على حالها تقريباً، وهي اتساع شريحة الأرامل واليتامى والمعوقين وعوائل الشهداء بسبب تزايد عمليات الارهاب، إلى جانب تأخر معالجة تدني رواتب المتقاعدين وأصحاب الدخول الواطئة والمحدودة من العاملين في الدولة.
إن أكثر من (20) بالمئة من العراقيين يعانون من الفقر رغم مرور هذه الفترة التي امتدت إلى ما يزيد على عشر سنوات، وهذا أمر لا يقبله العقل ولا المنطق مع تواصل زيادة ثروة العراق من إيرادات النفط فقط.
ويعني هذا أن الدولة غير جادة أو على الأقل لا تمتلك الإرادة الفاعلة لتحسين هذا الواقع، وما يزيد من اشكالية هذا الواقع أن مستوى الاسعار يرتفع شهرياً، ومهما تكن نسبة ذلك الارتفاع منخفضة، أي في حدودها الدنيا، أي انها لا تزيد مثلاً على (2) بالمئة، فأن استمرارها يؤثر بشكل سلبي على كلفة النمط الاستهلاكي للفرد، لأنها في كثير من الاحيان تنحصر في أسعار الغذاء والسكن والوقود والأدوية، وكلها سلع أساسيا في ذلك النمط الاستهلاكي لشرائح الدخل الواطئ، فالزيادة لم تكن في السلع التي تستهلكها شرائح الدخل العالي كالسيارات والا?نية الفارهة والرحلات السياحية وغيرها مما يدخل في نمط استهلاك هذه الشريحة فالفقير يعاني في هذه الحالة من تأثير مزدوج ناشئ عن ضعف دخله النقدي من جانب وارتفاع في الاسعار بشكل مستمر من جانب آخر، وأن استمرار هذه الحالة سيؤدي بالنتيجة إلى استمرار التفاوت الطبقي الذي يقود إلى الكثير من المشاكل الاجتماعية والنفسية، وتشتيت المجتمع بالنتيجة النهائية.
إن الحكومة تتحمل لوحدها جانباً مهماً من الاخفاق في عدم تحقيق تقدم كبير في موضوع مواجهة الفقر من خلال الصلاحيات التي تتوفر لها، حيث أنها من خلال صلاحياتها استطاعت معالجة منحة المتقاعدين وتعديل سلم الرواتب لموظفي الدولة، كما يشترك مع الحكومة في هذه المسؤولية مجلس النواب في تأخير تشريع قوانين مهمة تخص شرائح الدخل الواطئ والمحدود مثل قانون التقاعد الموحد وقانون سلم رواتب العاملين في الدولة وغيرها من القوانين التي تحقق هدف الدولة في خفض مستوى الفقر حقيقة.
إن مجلس النواب يتحمل مسؤولية كبيرة في التعجيل بتشريع القوانين التي تهم المواطن، سيما القوانين التي تتميز بارتباطها بتحسين الدخول، وأن تكون هذه التشريعات تحقق العدالة في المجتمع وتضمن توزيعاً عادلاً للثروة، وأن يكون الهدف ليس تحقيق مكاسب فئوية أو كتلوية ينتمي إليها النواب؛ وانما تحقق مصالح عموم المجتمع، لأن هذه هي وظيفة مجلس النواب حقيقة.