حدثان بين التشويه والطموح بالتغيير/ د. علي الخالدي

في الحادي والثلاثين من آذار المقبل، ستمر علينا الذكرى الثمانون لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، التي أنطلقت إحتفاليتها اﻷولى، من مدينة الناصرية الشاهدة لولادته الميمونة . والحدث الثاني اﻷنتخابات البرلمانية التي ستجرى، في الثلاثين من نيسان المقبل . هذان الحدثان لصيقان بآمال الجماهير الفقير والمغلوبة على أمرها، سيضطلعان بالنهوض بسبل التغيير في الواقع العراقي، الرامية للتخلص من الحسابات اﻷنانية ﻷصحاب السياسات الضيقة المبنية على مباديء طائفية وإثنية ضيقة، موروثة من الدكتاتورية، قاموا بشرعنتها بالممارسة والسلوك في إدارة البلد طيلة عشر سنوات، و يُراد إستمرار مواصلتها بأدوات جديدة متناغمة مع إرادات دول الجوار القريبة والبعيدة، لتبقى غير بعيدة عن أجندات العامل الخارجي، مع إبقاء الخط اﻷول من متبني النهج الطائفي والإثني، ومشيعي تجيشه الذين يختفون وراء تلك الوجوه في شراكة ذات صبغة طائفية أحادية الجانب ، كالتي زعزعت اﻷستقرار و السلم اﻷجتماعي لهذا البلد خلال أكثر من عشر سنوات . فليس من الغريب أن تخشى جماهير شعبنا و العابرون للطوائف ﻷجل التغيير، من أن النية مبيتة ﻹحداث تغيير على مساحة، قد تؤدي بآخر المطاف الى تشويه جغرافية الوطن على أساس طائفي إثني.
فقبل بدء الجماهير للتهيئة الجدية لحيثيات مواكبة اﻷحتفال بهذين الحدثين ، أشتد سعار القوى المعادية لهما بإعتبارهما من أهم العوامل التي تقف ضد تلك اﻷجندات، فبالنسبة للذكرى الثمانين لتأسيس حزب المستغلين( بالفتح ) نستخلص من مسيرة الثمانين سنة، تقليدين إكتسبا من الصراع بين المستغلين والمستغلين ( بالكسر )، و هذان التقليدان قد كرسا في سبيل التحرر اﻷجتماعي من جهة ، وتقليد نضال المستغلين من أجل الحفاظ على أمتيازاتهم من جهة أخرى . فخلال تلك الحقبة كانت اﻷفكار التقدمية ، تتصادم وتتجابه في مجرى هذا الصراع، فقد كانت اﻷفكار التي نادى بها من أشرف على ولادة شيخ اﻷحزاب العراقية ، مثل تحرير العمال من الاستغلال، والعدالة اﻷجتماعية واﻷشتراكية والسلام وتعزيز اﻷخوة بين مكونات شعبنا ، تتجسد في كل تحركه منذ تأسيسه، بينما قيم اللهاث وراء اﻷرباح واﻷستغلال والنهب والفساد، تقف في قطب واحد، فبدلا من اﻷزدهار بعد التغيير عاش شعبنا أزمة تلو ازمة، مصيبة قطاع التنمية البشرية واﻷقتصادية بالركود واﻷنحطاط، فبلغت البطالة حجوما مأسوية، وهي في تزايد نتيجة هذا الركود الذي لا يتماهى مع الذين يصرخون بصوت عال بتطوره، في الوقت الذي تضيق أفكارهم بالتعددية والديمقراطية والحياة العصرية والتنوير، كما أكدته ممارساتهم، على صعيد الحكم والممارسة اﻷدارية، وهذه المواقف تتناغم مع قوى اﻷسلام المتشدد، ولا تميزهم عن الذين لا يبدون أي حرص على اللحمة الوطنية، فهم لن يتوقفوا عن ترديد وإطلاق تصريحات تبدو متعمدة ﻷستفزاز الآخرين من الجماهير المعنية بالتغيير ، فيشهرون أسلحتهم مبرقعة بالفاظ دينية، لمحاربة العلمانية والحداثة والماركسية ويوصفوها باﻹلحاد ، فالكبيسي العلامة الدينية .. ورجل دين من الديوانية، وقبلهما إنبرى العديد من المنظرين لتشويه صورة مريدي التغيير لدى الناخب العراقي، وبالتالي تضليل الجماهير البسيطة، بأن مصالحهم تكمن بنصرة مظلومية الطائفة، أو برفع التهميش. وقد فند الحزب هذه المواقف المستمدة من موضوعية حركة متطلبات المجتمع العراقي، في الظروف التي تولدت بعد سقوط الصنم، وهي مستمرة بمنتهى العقلانية والواقعية والمرونة المشفوعة في العمل مع كل من يضع في أهدافه خدمة الشعب والوطن، مبرهنا على خطل صحة هذه المواقف التناحرية بين الطوائف والمذاهب، عبر تطبيق مقولة مؤسسه الخالد فهد ( قووا تنظيمكم قووا تنظيم الحركة الوطنية، ومجيرا منجزاته على كل الاصعدة باسم الشعب وقواه الوطنية.
لا يخامر المواطن أدنى شك بأن القوى المتمسكة بسياسة التجييش الطائفي ستعمل كل ما بوسعها لخلق ظروف وسبل مواصلة مصالحها الذاتية عبر الوجوه الجديدة، التي ستحمل نفس أفكار من سيمنحها كرسيا في البرلمان من رؤوساء الكتل، لتستمر السيطرة على مقاليد الحكم لمرة ثالثة ، وليتواصل كيل التهم واﻹفتراءات، و وضع المعوقات أمام القوى التي تقف مع مصالح الشعب ، و التي تفتقر للإمكانيات المادية واﻹعلامية، فهي لا تقدم للمواطن غير هويتها الوطنية العابرة للطوائف وحرصها الوطني لبناء العراق الجديد الذي تتوخاه الجماهير من وراء التغيير ، سيما وأن جيوبهم على قدر حال معيشتهم اليومية، وتعتمد على ما يجود به المصرون على ضرورة صيرورة التغيير،أمام ما يملكه اﻹسلام السياسي من إمكانيات مادية وإعلامية مغلفة بأطر دينية. فهل سيقاوم المواطن البسيط اﻹغراءات المادية والعينية والوعود البراقة لمرشحي الطوائف، ويُحدث ثورة الداخل على الداخل، فيحسن اﻹختيار لمن يُؤَمن سبل كنس موروثات الدكتاتورية وما اضيف عليها من تراكمات نهج المحاصصة الطائفي. ويستجيب لطموحات مرشحي التيار الديمقراطي من الشخصيات السياسية المعروفة واﻷكاديمية واﻹجتماعية والثقافية النزيهة والتي لم تتلوث أيديهم بالسحت الحرام وسمعتهم الوطنية بأية شبهات، ليضعوا لبنات الدولة المدنية الديمقراطية، التي تُؤَمن الضمانات اﻹجتماعية، والحق في العمل والصحة والتعليم، التي إفتقدتها شعبنا منذ عشرات السنين.
هذا ما سيكشفه الثلاثون من نيسان المقبل