ايران والعرب قاب قوسين من الغرب وادنى / د. مؤيد عبد الستار

تسير المفاوضات بين ايران ومجموعة 5+ 1 قدما وتحقق نجاحات ملحوظة على الاخص مع الولايات المتحدة التي يحاول رئيسها باراك اوباما منع اي عقوبات جديدة على طهران من اجل استكمال الاتفاقات التي تم التفاهم عليها قبيل رحيل العام الماضي 2013 .
ومن خلال تلك المفاوضات فتحت قنوات اتصال جديدة بين الدول العربية وايران ، بعضها كان مفتوحا منذ زمن مع عمان ، بل كشف ان المفاوضات السرية جرت من خلال عمان والسلطان قابوس .
كما زار حديثا وفد من الامارات العربية المتحدة ايران بعد اعلان الاتفاق مع امريكا حول النووي الايراني، وقام الوفد بزيارة معلنة الى طهران مما يشجع الطرفين على قطع خطوات اكبر على طريق العلاقات المشتركة .
وهناك في سوريا ولبنان يتطلع البلدان الى مؤتمر جنيف 2 الذي سيعقد في الثاني والعشرين من الشهر الجاري عسى ان يضع حدا للهوس المجنون في قتل المواطنين وتشريدهم ، اذ تناقلت وكالات الامم المتحدة ان اربعة ملايين سوري يتعرضون للتشريد والتهجير تحت ظروف قاسية ، عدا الالاف الذين راحوا ضحايا الصراع الدامي بضمنهم الاطفال والنساء .
ان من مصلحة ايران فتح قنوات اوسع مع العالم العربي كي تـُطمئن البلدان العربية بعدم تدخلها بشؤونهم ، وسلمية برنامجها النووي ، وستكون اقامة علاقات اقتصادية وثقافية وسياحية اكثر نفعا من خوف الاطراف بعضها من بعض و من الاسلحة الفتاكة التي خبرنا مفعولها في حرب السنوات الثمان بين العراق وايران .
لا شك ان تطور العلاقات الايرانية الامريكية ، سيفرض بديهة اولية هي وجوب حسن علاقات ايران مع اصدقاء امريكا ، ولما كانت معظم الدول العربية على علاقة وطيدة مع امريكا وعلى الاخص دول الخليج العربي ، لذا سيكون لزاما على ايران العمل على توسيع دائرة علاقاتها الجيدة مع الجيران في الخليج ولربما البدء في الاتفاق على تسمية الخليج الفارسي / العربي لحل هذه الاشكالية في التسمية بما يرضي جميع الاطراف المتشاطئة على الخليج واقترح الاتفاق على تسمية الخليج( الفارسي العربي) على اساس ان الدول العربية تطل على الخليج مثلما تطل ايران على الجانب الاخر ، ولا حاجة للتمسك بالتسميات التاريخية لان التاريخ احيانا يضع العصي في عجلة الحاضر ، فقليل من التسامح في بعض الامور التي لا تغير من الواقع لا تضر الجميع بل على العكس تنفع الجميع .
كما ثبت ان التطرف الديني والتشدد المذهبي الذي مارسته جميع الاطراف في الشرق الاوسط ، لم يثمر غير المآسي والدمار للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، لذلك من الاولى ان تبدأ ايران مادامت قد دخلت في سباق العلاقات المنتجه مع الغرب 5 +1 ان تستثمر هذه الفرصة لمزيد من الانفتاح في الداخل ومنح مواطنيها المزيد من الحريات الاجتماعية والثقافية ، وان تفتح قنوات السياحة مع العالم العربي مما يستلزم تطوير القطاع السياحي ، ليس السياحة الدينية فقط ، فايران مشهورة بشواطئ بحر الخزر والشمرانات وغيرها من اماكن تاريخية وطبيعة ساحرة .
وان كان الحديث عن الانفتاح فان اول البلدان التي يجب تجديد العلاقة معها على اساس ديمقراطي ليبرالي هو العراق ، ويجب عدم الاتكال على الرافع المذهبي في العلاقة مع العراق ، بل فتح افاق جديدة في السياسة والاقتصاد والاجتماع على اساس البلد الجار وليس على اساس المذهب او القومية .
فالعراق سيكون البوابة الاولى الى العالم العربي ، ومن خلال العراق تستطيع ايران اثبات حسن علاقتها مع الاخرين الابعد ثم الابعد حتى تبلغ شواطئ المغرب العربي ، وكلما استقر الوضع في العراق وايران وتطورت العلاقات الى علاقات مفتوحة قائمة على المنفعة المتبادلة والاستقلال في الرأي البعيد عن التمترس خلف جدار الدين والمذهب كلما كانت الافاق اكثر اتساعا واكثر اقناعا للاخرين للعمل المشترك وتبادل المنافع والعلاقات المتينة القائمة على المساواة والعدل .
لذلك يتوجب على ايران التوقف عن التعامل مع الميليشيات والاحزاب والطوائف في العراق والعمل مع الحكومة العراقية كدولة مساوية لها في الحقوق والواجبات واحترام الاتفاقيات المتبادلة ورفض الاتفاقيات الجائرة التي عقدت في سنوات سابقة غير منصفة مثل اتفاقية شط العرب اوا تفاقية سعد آباد او غيرها من اتفاقيات تمت في ظروف غير سليمة .
ان العقلية الجديدة التي ظهر بها روحاني ، والسياسة الخارجية التي يقودها ظريف حاليا بحاجة الى تجديد في الجوهر ، ليس فقط مع امريكا والغرب من خلال البرنامج النووي ، وانما اولا مع الدول الجارة والمتشاطئة ، وكذلك مع القوميات التي تشكل العمود الفقري للشعب الايراني مثل الكورد والعرب والاذريين اضافة الى الفرس ، فتصحيح العلاقات الداخلية مع الشعوب الايرانية لا يقل اهمية عن اصلاح العلاقات مع الغرب ، وستبقى تلك العلاقات هي المقياس الحقيقي للتغيير سواء في ايران او في غيرها من البلدان التي تنشد علاقات متكافئة وجيدة ومتينة مع الغرب وعلى الاخص امريكا ، من اجل الخلاص من مفاهيم تاريخية مثل الشيطان الاكبر ، ولا شرقية ولا غربية والموت لامريكا وغيرها من الشعارات التي اثبت التاريخ انها شعارات لا تسمن ولا تشبع من جوع .
كما تنتظر السياسة النفطية افاقا جديدة بعد رفع الحظر عن تصدير النفط ، وهنا يتوجب العمل مع منظمة اوبك واوابك ودول المنطقة واهمها العراق من أجل مشاريع نفطية مشتركة نافعة للبلدين مثل مصافي النفط المشتركة والموانئ المشتركة للتصدير وخطوط انابيب نقل النفط التي ستنقل النفط عبر الخليج الى اسيا وعبر البر الى اوربا ، لذلك فان هذا التنسيق يترقب جهودا جبارة ، ولا مناص من التعاون مع اوربا وروسيا وامريكا والدول الجارة من اجل تحقيق طموحات شعوب المنطقة في الاستقرار و الرفاه الاقتصادي، والتقدم والازدهار .