بعد المظاهرات, هل يشرّع قانون التقاعد...؟ / يوسف شيت

لم تكن مظاهرات 31 آب المطالبة بإلغاء تقاعد وامتيازات الرئاسات الثلاث مفاجئة, بل أعلن عنها منذ نهاية شهر تمّوز الفائت, ومنظميها هم عناصر وطنية وأغلبهم من الشباب لا يسعون إلى طموحات غير شرعية, وليسوا متآمرين, معظمهم ينتمون إلى منظمات المجتمع المدني وأحزاب وشخصيات وطنية مختلفة الاتجاهات, هدفهم دعوة العراقيين للمطالبة بحقوقهم, بل بأبسطها, وهي إلغاء قوانين سرقة أموال الشعب. ووفقا للقوانين المرعية قدّم منظمي المظاهرات طلبا رسميا إلى الجهات الأمنية المختصة لإجازتها. بدلا من إجازة التظاهرات والسماع إلى مطالب المتظاهرين, سعت الحكومة إلى محاولة تشويه أهداف التظاهر وسمعة المتظاهرين وخلطت, كالعادة, الأوراق مدعية بوقوف فلول البعث والقاعدة خلفها. لذلك وضعت السلطات المسؤولة في بعض المحافظات, ومنها بغداد, أمامها حجّة غير قانونية بعدم منح رخصة التظاهر. إلاّ أنّ العكس أثبت خطل ما ذهبت إليه السلطات المسؤولة. واتضح للرأي العام في الداخل والخارج مدى حضارية المتظاهرين وتمسكهم بطرح الشعارات التي أعلنوا عنها قبل التظاهر بأسابيع, ورأت هذه التظاهرات صدى لها في إعلام الخارج, منها قنوات فضائية, بينما سكت إعلام الداخل, وخاصة القنوات الفضائية, باستثناء فضائية البغدادية, عن مطالب الملايين من العراقيين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن البعض منّ الذين يملكون الفضائيات العراقية باحت أصواتهم من الصياح والمطالبة بإلغاء تقاعد النوّاب, ولكن أحدا من هؤلاء ولا من النوّاب الذين أعلنوا تنازلهم عن الراتب التقاعدي لم يظهر مع المتظاهرين. ولكن من الضروري أن نعرف ماذا بعد مظاهرات 31 آب, ونحن أمام صورة واضحة لقوى المجتمع العراقي. كي لا نغوص في تحليل طبقات وفئات مجتمعنا, أمامنا آنيا قوّتان, الأولى وهي الأكثرية الساحقة, تطالب بحقّها في العيش الكريم, من توفير خدمات كالماء الصالح للشرب والكهرباء والسكن والرعاية الصحية الضرورية ومكافحة البطالة وتحسين المؤسسات التعليمية وتطوير مناهجها لتتلاءم مع سمّة العصر. وترى هذه القوى بأن الدخل السنوي للدولة يتلاءم وتنفيذ هذه المطاليب, لأنّ هذه القوى كشفت وتكتشف إلى أية مديات وصلت آفة سرقة هذا الدخل, سواء السرقة عن طريق تشريع قوانين أو السرقات المستورة التي تقدّر بأضعاف السرقات المشروعة. وهنا نرى بأن المطالبة بإلغاء قوانين تشرّع سرقة المال العام هو أبسط الحقوق. أما القوى الثانية والمتّهمة بالسرقات, وهي الأقليّة القليلة, والمتكونة من متنفذي أحزاب وكتل سياسية بيدها كلّ السلطات من نوّاب ووزراء ومستشارين وقضاة والرئاسات الثلاث. البعض من هؤلاء لا ينكر وجود سرقات, ولكن أحدا منهم لا يعترف بالسرقة رغم تبادل التهم فبما بينهم وطرح الأسماء على المكشوف. وقد وصلت الكثير من ملفّات الفساد إلى القضاء, والقسم الكبير منها يحتفظ بها السيد رئيس الوزراء, ولكن مع الأسف لا يجري تفعيلها لسبب بسيط وهو, الخوف من الآخر الذي فرضه نظام المحاصصة. ويختفي وراء هذه القوى فئات المستفادين من نظام المحاصصة الذين يمتلك البعض منهم مليارات الدولارات (ليس الدنانير), ولا نستثني رؤساء أحزاب وكتل سياسية ! والأبرز منهم فئة تجّار البضاعة الأجنبية الذين اتخمت بطونهم على حساب خراب الصناعة الوطنية والتراجع الكبير للزراعة. سارع السيد المالكي إلى تأييد مطالب المتظاهرين, بعد أن حاول منعهم بشتى الأساليب من التظاهر. ومن الملفت بأن مجلس الوزراء طرح بعد يومين فقط من التظاهر مشروع مسودة النظام التقاعدي الذي شمل أيضا إلغاء التقاعد للبرلمانيين والامتيازات الخاصة لعشر من مؤسسات الدولة, أي أنّ مشروع برنامج التقاعد كان جاهزا, والذي أخرجه إلى النور هي مظاهرات 31 آب والخوف من توسيعها وليس ما يفرضه الواجب الوطني للحكّام. وهذا يعني بأنّه ليس بالضرورة بأنّ مشروع التقاعد هذا سيشرّع من قبل البرلمان, لأنّ الكثير من البرلمانيين صرحوا بعدم رغبتهم في إلغاء تقاعدهم, وهناك من البرلمانيين من يفصح عن وجود من يريد إفشال تشريع القانون, وهناك أيضا من يدعو إلى التصويت العلني على القانون داخل البرلمان, أي كشف الذين يدّعون أمام الملأ شيئا ويفعلون شيئا آخر. وبهذا حوّل رئيس الوزراء الكرة من ملعبه إلى ملعب مجلس النوّاب. لذلك نقول بأنه لا ضمان لتشريع قانون التقاعد هذا.
ضمن هذا السياق على منظمات المجتمع المدني والشخصيات والأحزاب الوطنية أن تكون متهيئة لحشد الجماهير حولها لفرض حقّها في الحفاظ على أموال الدولة من السرقات في حالة فشل مجلس النواب في تشريع قانون التقاعد أو الالتفاف عليه.